من يحكم واشنطن
المقدّمة
شكّلت أميركا منذ اكتشافها حلمًا يسعى إليه كلّ معذّبٍ في الأرض، وزاد من جاذبيّتها للحالمين من بين البشر النموذج الّذي مثّلته للفقراء، فهي أرض الفرص وأرض العلوم وأرض الحرّيّة.
وممّا لا شكّ فيه أنّ الشعب الأمريكيّ مكوّنٌ من فئاتٍ مختلفةٍ ومختلطةٍ، جمعها ذاك الحلم في بوتقةٍ واحدةٍ، امتلكت العقول العبقريّة والإمكانيّات المادّيّة الهائلة، لٰكنّ تلك البلاد الرائعة أضحت منذ الحرب العالميّة الثانيّة نموذجًا للشرّ بشكلٍ متساوٍ، وقد يزيد عمّا كان يراه العالم الحرّ في الاتّحاد السوفيتيّ صاحب سيرة القمع والديكتاتوريّة البغيضة.
فهل النموذج الأمريكيّ الديمقراطيّ حقيقيٌّ؟
وهل الشعب الأمريكيّ العظيم حرٌّ في اختيار ممثّليه وحاكميه؟
وهل من يحكم واشنطن هم المنتخبون من الشعب؟ أو القوى الّتي تختفي في العتم، وتوصل إلى الحكم من يراعي مصالحها ويحفظ لها نفوذها؟
سؤالٌ (من يحكم واشنطن؟!) على بساطته معقّدٌ جدًّا، فكيف يمكن الإجابة عليه في كتابٍ كهٰذا؟
ذٰلك ما سنحاول فعله وإن لم ندّع قطّ أنّ كلّ ما سنقوله صوابٌ، لٰكنّه على الأقلّ محاولةٌ لوصف الحقائق في أمریكا كما هي، سندًا للمتابعة الشخصيّة الّتي تمتدّ لربع قرنٍ من الاحتكاك المباشر بالحدث الأمریكيّ، أو من خلال متابعة الدراسات والبحوث المتخصّصة، وفي النهاية من خلال دراساتٍ معمّقةٍ قام بها عددٌ من الباحثين لجوانب محدّدةٍ من مراكز الإدارة الأمريكيّة لصالح الكاتب وخدمةً لهدف الكتاب.
وفي هٰذا الإطار أودّ تقديم الشكر لكلٍّ من السيّدة زينب عواركة وللأستاذ الدكتور عليّ جمعة على مساعدتي في توثيق بعض البحوث الخاصّة بالكتاب وتنفيذها، شاكرًا لهم فضلهم وعونهم الّذي لا أقدّره بثمنٍ.