دم على ورق
جزء من الكتاب:
أخبرتنا الأخت المرافقة أثناء دخولنا إلى بيت الشهيد، أنَّ واحدة من بناته هي من ذوي الاحتياجات الخاصة. هكذا أمر، يجعلك، وبحسب الفطرة الإنسانية، تشعر بالتعاطف وربما بالشفقة أيضًا، يجعلك تفكر كيف سيكون حال هذه الفتاة بعد أبيها، ومن سيكون سندًا لها، وكيف ستكون حالتها النفسية...
في غرفة الاستقبال، الذي بدأ أصلًا من على الطّريق المؤدية للمنزل، كعادة البقاعيين حين يستقبلون ضيوفهم، وقفت النسوة للترحيب بنا. عرفتُ زوجة الشهيد دون أن يدلني أحد، لأنَّ أربع بناتٍ ترتدين الوشاح الأصفر، وتلتصق الواحدة منهن بالأخرى كسبائك من الذهب الخالص في سلسلة باهظة الثمن، كنّ يقفن بصفها.
– «أنتِ زوجة الشهيد؟» سألتُ وأجبتُ بنفس الوقت.
احتضنتها ورحت أبارك لها وأواسيها، وإذا بيدٍ تجذبني من ثوبي: «وأنا بنتو للبابا».
إنها ابنة الشهيد، المصابة بمتلازمة الحب، تقف مباشرة بجانب أمها، تسلم على المهنئين، وتبادر إلى التعريف عن نفسها دون أن يسألها أحد: «أنا فاطمة، بنتو للبابا...».
– «يا حبيبتي، كم أنتِ جميلة». غمرتُها، فانفجرت بالبكاء...
– «وبابا جميل أيضًا، بابا جميل...».
«بابا كان يحبني، يعطيني "مصاري" ويشتري لي كل ما أريد...»، راحت فاطمة تتكلم عن والدها بلغة أهل الحب الخاصة بها.
«أنا أذهب كل يوم إلى ضريح بابا، وأضع له وردة، وبابا يأتي كل يوم ويقبّلني هنا»، أشارت إلى خدها وعينها.
«أنا أحبّ بابا لأنّه شهيد، وبابا يحبني لأنني بنته».
إزاء ما قالته فاطمة شعرت أنه كان يجب أن أقلق على نفسي لا عليها، لأنها فهمت الشهادة أكثر منّي، ولأنها عرفت جيدًا ماذا يعني أن تكون البنت «ابنة بابا الشهيد»...
(القصة نقلتها الكاتبة عن لسان ابنة الشهيد ركان سيف الدين)