شراء
هوية الكتاب
عنوان ما بعد الموت
تأليف جمال صادقي
ترجمة هيثم م. ياسين
إخراج فنّي سجاد عباس
طبعة الاولى
عدد الصفحات 332
قياس 14*21
تجليد غلاف
سنة النشر 2022
ISBN 978-9953-983-72-1
سعر 10$

ما بعد الموت

مقدمة المؤلف:

تتضمّن هذه الملاحظات معلومات عديدة، وهناك احتمال كبير أنّ اختلاط المحتوى سوف يشوّش تفكيركم، مع ذلك سنكون شاكرين إذا قرأتم.

سيضيع الحقّ إذا لم نكتب: أُثمر هذا الكتاب بفضل مساعي صديقي العزيز حسين ، كان لحسين دور مهمّ في حياتي، سأصحّح: دور مهمٌّ جدًّا، يمكنني القول، أنّه حاضر في كلّ سطر قمت بكتابته. مررنا أنا وحسين منذ أواسط السّبعينات (هجري شمسي) التّسعينات (ميلادي)، كتفًا بكتف في كلّ خطوة، في المجالات الاجتماعية والثقافية والأدبية، مرّت منذ وقتها وحتّى الآن عشرون سنة خصبة...

... في إحدى المرّات، قرّرنا في عام 1386 (ه.ش) 2008 (م.) أن نسافر إلى مناطق مختلفة في البلد، لم يكن سفرًا لكتابة محتوى ثقافيّ عام، ولا لمعرفة انعكاس المناطق السّياحيّة والأثريّة في إيران، سفر لمعرفة أفضل للإنسان، لا أنسَ: بعض الّذين علموا هدفنا سخروا منّا، وقالوا:" تريدون إيجاد الإنسان ومعرفته وأن تكتبوا عنه؟! ستضيّعون وقتكم، ابقوا، لا تذهبوا، لا تبحثوا، لن تجدوا الإنسان في هذا الزّمان"، وبعد كلّ هذا التّشجيع سافرنا! مشينا من محافظة إلى محافظة، من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى قرية، حسين مع كاميرا الفيديو خاصّته وأنا مع دفاتر ملاحظاتي، ونحن الاثنين في سيّارة حسين من نوع "سمند"، صدّقوا كانت تجربة كلّ لحظة من هذا السّفر تعادل قيمة مائة عام، في أوّل يوم من سفرنا كنّا كطفليْن مرعوبيْن، كطفليْن يذهبان إلى المدرسة للمرّة الأولى، عندما عدنا عمليًّا عدنا كعجوزيْن خبيريْن، كانت نتيجة سفرنا مئات الصّفحات المكتوبة الّتي تحتاج إلى تحرير، لا توجد أيّة مشكلة إذا تركتها بهذا الشّكل، طالما بقيت حيًّا بعون الله سأحرّر وأنظّم وأنشر كتاباتي، إذا لم أبق تكفي تلك الكتابات الأصليّة الغير محرّرة... أها! كنت سأنسى: لقد وجدنا الإنسان، أكثر بكثير ممّا يخطر ببال أكثر النّاس تفاؤلًا، أستطيع اليوم أن أقول رافعًا رأسي وبكلّ ثقة: " لم يمت الإنسان، الإنسان حيّ، حياة أكثر من أيّ زمان آخر، أو بالمقارنة مع التنفّس عميقًا، أكثر عمقًا من كلّ الأنفاس التي أٌخذت على مرّ التّاريخ..."

أعتذر عن الإطالة في الفقرة أعلاه، كان هدفي شرح قضيّتين لكم، جيّد، مؤكّد لم نتأخّر كثيرًا، اسمعوا:

في أحد الأيّام، في سفرة من تلك السّفرات، تعرّفنا إلى امرأة رائعة حقًّا، استمعنا بدقّة عن مجريات حياتها، في نهاية اللّقاء سألت ذلك السّؤال الّذي أنهي به دائمًا:

- هل يوجد شيء آخر لم تخبرينا به؟

- قلت لكم تقريبًا كلّ شيء خطر في بالي، فقط...فقط قصّة واحدة... لم أخبركم... لم أخبركم عنها... قولها يحتاج لجرأة عالية... لا أعلم إن كنتم ستصدّقون هذه القصّة.

- لماذا لا تختبرينا؟ نحن مستعدّون لمعرفة أحداث هذه القصّة.

- بسبب ضربة على الرّأس، دخلت في غيبوبة و... رأيت دنيا ما بعد الموت... لقد متُّ، ذهبت إلى عالم البرزخ، رأيت ما رأيت من مشاهد وعدت مجدّدًا...

اعتقادنا بالحياة بعد الموت من البديهيّات، أن يذهب شخص إلى الجهة الأخرى لم يكن أمرًا عجيبًا، العجيب أن يعود ذلك الشّخص من عالم الموت وأن يخبرنا عن خواطره، لأكون صادقًا، في بداية سردها لقصّتها، لم آخذ كلامها على محمل الجِدّ، كنت أبتسم كلّ دقيقة بشكل لا إراديّ، عندما وصلت إلى منتصف القصّة، لم أبتسم مرّة أخرى، كنت أستمع بشكل مريب وحذر، كنت محتارًا للغاية عندما انتهت من سرد قصّتها.

عند منتصف النّهار وبعد ساعة من مراجعة كلامها صدّقتها، كان يسري في كلّ أطراف جسدي شعور لطيف.

على كلّ حال، بقيت قصّة تلك المرأة في ذهني وأكملنا طريقنا، بعد عام وصلنا إلى مدينة في شرق البلاد، وهناك قابلنا رجلًا كان يسكن قرب الحدود، أقسم أنّه جرّب الموت... اخترقت ذكرياته المؤثّرة  عن عالم البرزخ في داخلي كمسمار حديديّ يخترق قطعة خشب مبلّلة بالمطر.  

هذه المرّة ارتعش كلّ بدني بإحساس قويّ، عرفت حينها أنّني لن أستطيع التغاضي بكلّ سهولة عن هذا الموضوع، سحبتني قصّة تلك المرأة وذلك الرّجل باتّجاه موضوع الموت والعالم الآخر، هناك في شرق إيران قرّرت جمع حكايات عن هذا الموضوع وعن هكذا أفراد ووضعها في كتاب أو أكثر، لا أعلم لماذا لم أخبر حسين بقراري حينها.

في الختام، انتهى سفرنا لمعرفة الإنسان، عدنا إلى المنزل في يزد، استرحنا لمدّة شهر من ثم انطلقنا باتجاه "بم"، حقّقنا في "بم" عن الحوادث المرتبطة بالزّلزال، دوّنت هناك كتاب "اثنا عشر ثانية"، واستغرقت كتابته سنة مليئة بالمتاعب، بعد نشر الكتاب، أعطيت نفسي جائزة وهي السّكن في شمال البلاد، ذهبت أنا وزوجتي إلى تالش وهي مدينة في محافظة كلستان حيث وجدنا منزلًا صغيرًا وجميلًا على طرف الغابة وسكنّا فيه.

قالت زوجتي:  

- أعتقد يجب أن تبدأ.

سألت:

- بماذا؟

- المطالعة والبحث عن عالم ما بعد الموت، فأنت تمتلك الوقت الكافي.

امتلكت الوقت، ولكن لم تكن لديّ الرغبة، لقد تأذيّت بسبب جو "بم" الحزين والكتابة عن موت آلاف الأشخاص، كنت أكثر تعبًا واكتئابًا من أن أستطيع الاندفاع نحو موضوع الموت، أشعر بالخجل من قول ذلك، ولكن كنت أحتاج إلى التّرفيه قليلًا، والاستمتاع بالطبيعة، غسلت جسدي من "بم" في النهر القريب لمنزلي، أردت الإبتعاد عن كلّ ما يذكّرني بالموت، احتجت إلى عنوان جذّاب حتى يعطيني بعض النشاط... جيد، تالش كان مكانًا جيّدًا للترفيه. كنت أعتنق أجمل طبيعة ممكنة، بالقرب من الغابة حيث رأيت إمضاء الله في كلّ ركن من أركانها، من داخل المنزل الذي يمرّ في مقابله نهر عريض ذو هدير... كان ينقصني شيء واحد فقط: موضوع جذّاب للكتابة، موضوع لا يمتّ بأيّة صلة إلى الموت... سرعان ما وجدت الموضوع. كان موضوعًا فيه نزعة فكاهيّة، بنظري كانت الظّروف مناسبة لتتحوّل إلى رواية، تواصلت مع حسين الّذي كان في يزد وأخبرته عن التّفاصيل، أعجبه الموضوع وقال:

- ابدأ بالكتابة، مرّت ثلاثة أشهر، من ثمّ ثلاثة أشهر أخرى، رواية " الابتسامة" (هذا اسمها) وصلت إلى خاتمتها، شعرت بأنّني صرت نفسي مرّة أخرى، قلت لزوجتي:

- الآن أستطيع البحث في مسألة عالم البرزخ، الآن حان الوقت كي نفتح ذلك الشبّاك وأن نلقي نظرة إلى عالم الموت.

اتّصلت بحسين من تالش من الطّبقة العليا لمنزلي:

- سلام عزيزي حسين، كيف حالك يا مؤمن؟ إن شاء الله بخير.

- سلام، أنا جيّد... ومتأكّد بأنّك لم تتّصل لتسألني عن حالي.

دائما، تتّصل عندما تريد أن تخبرني بشيء، حسنا قُل، أنا أسمعك.

ضحكت:

- الحقّ معك، بصراحة أفكّر في تأليف كتاب جديد، وأريدك أن تساعدني في الأبحاث المرتبطة به.

- عن ماذا تريد أن تكتب؟

- عن الحياة بعد الموت.. عن الّذين جرّبوا الموت، بالمصطلح الغربي، عن Near Death Experiences، تجارب الإقتراب من الموت، تجارب ذيل الموت، على كلّ حال، أريد التحدّث مع أولئك الّذين ذهبوا إلى البرزخ وعادوا، مؤكّد قبل الحديث يجب أن نبحث ونجد هؤلاء الأشخاص.

- لقد قابلنا شخصين من هؤلاء الأفراد من قبل و...

قاطعتُه:

- نعم، واستطاعوا شرح بعض مظاهر البرزخ، كان جميلًا ولكن ليس كافيًا، يجب أن نجد أفرادًا أكثر، كلّ فرد بإمكانه أن يعطينا قطعة أو صورة عن دنيا ما بعد الموت.

- وفي النّهاية؟

- في النّهاية نرتّب هذه الصّور بالقرب من بعضها حتّى نحصل على صورة أكثر اتّساعًا عن البرزخ.

تحوّل صوته عبر الهاتف:

- هل فهمتك بشكل صحيح؟ أنت تريد ترتيب هذه الصّور في الكتاب بالقرب من بعضها مثل قطع الأحجية؟

أجبته:

- بالضّبط.

وبعد قليل، قلت: 

- لا حاجة كي أؤكّد ذلك، ولكن سأفعل: أريد التحدّث بشكل مباشر مع أولئك الّذين رأوا عالم ما بعد الموت، لا أن أسمع قصصهم من لسان المقرّبين منهم.

- فهمت عليك، نحن اليزديون نقول عن ذلك حديث "وجها لوجه" "face to face".

- مرحبا!

كان يرغب بشدّة أن نقوم بهذا البحث معًا. كان حسين، أفضل بشريّ في هذا المجال. فرحت من أعماق قلبي أنّه سيكون بجانبي كما عهدته، كعادته بتواضعه المعروف، مع كاميرا الفيديو الخاصّة به، ووفائه منقطع النّظير. كان حسين قد أظهر في سفراتنا السّابقة كم هو شخص مقتدر، هو يعلم كيف يمكنه الاستفادة من عينيه وأذنيه ويديه. يستطيع تجهيز كلّ شيء في مدّة قصيرة، من مكان السّكن حتّى الأفراد الّذين يجب أن أتحدّث معهم. يتّصل كلّ يوم بأربعين مليون شخص، يقبل منهم أربعة ملايين، يقوم بوضع مواعيد للقاء أربعمائة ألف، والأكثر إثارة للعجب هو أنّه خلال النّهار كنت أحادث أربعين ألف شخص منهم!

أكّد حسين بشوق في الدّقائق الأخيرة من المكالمة الهاتفيّة:

- سوف أساعدك من أجل تحقيق الهدف. سوف أقوم بكلّ ما في وسعي! سأكون معك حتّى آخر الطريق. لو لزم الأمر سأرافقك حتى آخر الدّنيا.

إذا لزم الأمر سأقوم بذلك حتمًا.

- لا، سنذهب فقط إلى طهران. قد نضطرّ للبقاء في طهران لمدّة سنتين.

- لا مشكلة. سآتي إلى تالش خلال أسبوع، سأبقى بضعة أيام ومن بعدها ننطلق معًا باتجاه طهران.

- جيّد جدًا، يعني سأراك في تالش.. وحسين!

- عزيزي.

- قبل توضيب أغراضك تأكّد من أمر ما.

- أيّ أمر؟

- رضا قلب زوجتك، الابتعاد لعام أو عامين ليس بفترة قصيرة.

- نعم، نسرين راضية بالكامل.

تنفّس الصعداء وقال:

- من فضلك ابقَ على الهاتف للحظات.

- فاطمة موافقة. من أعماق قلبها موافقة...

(صراحةً، لدينا نساء جيّدات. كنَّ يتحمّلن جميع مسؤوليّات الحياة بمفردهنّ في غيابنا. ومن أسباب ذلك أنهنّ كنّ مضحيّات ويمكن أن يكون السبب الآخر هو الرّضا الأبديّ عن ذلك: وهو أنهنّ يئسن منّا! منّا ومن التمتّع بحياة عاديّة ومريحة. صدّقوني أن تكون المرأة زوجة رجل مثلنا من أشدّ المعاناة الموجودة. إنّها مصيبة كبرى أن يكون لديك زوج غير متواجد دائمًا، حتّى ولو كان في المنزل!)

قبل قدوم حسين إلى تالش بيوم واحد، وقعت في أسر فكرة مخيفة.

سيطرت تلك الفكرة بسرعة وقدرة عالية على رأسي. بشكل مفاجئ، خلال الغفلة على شكل أسئلة لا أجوبة لها: كيف يمكننا أن نعلم أنّنا نستطيع إحضار الأفراد الّذين نريد مقابلتهم إلى طهران؟ أو على الأقل هل سنجد ذلك العدد من الأفراد الّذي نريده؟ لم نمتلك أيّة ضمانة فيما يخصّ هذا الموضوع. لم أستطع جمع أفكاري حتّى تتفتّح الأبواب أمامي. إيجاد أفراد عادوا من الموت – و أن يحضروا قصصهم معهم- كان أمرًا في غاية الصّعوبة، كصعوبة إيجاد إبرة في كومة من القشّ. في مقابل هجوم هذا الخوف الموجّه والمنطقي، لم أستطع التنفّس كأنّ هناك جبلًا متمركًزا على صدري. " يا إلهي! لماذا الآن و فجأة شغلت بالي هذه الأفكار؟ عندما جهّزت نفسي للبدء بالبحث!" لم أشعر أبدًا أبدًا بهكذا شعور قبل البدء بعمل (بحث أو كتابة)، حتّى عندما أردت تأليف كتاب بطريقة غير مألوفة.. بعد بضع ساعات، أخذ خوفي بالتحوّل إلى قلق، قلق استمرّ حتّى غروب اليوم التّالي. حينها، كنّا أنا وزوجتي جالسين على شرفة المنزل. بدأت بالتفكير بالأيام والأشهر القادمة بانزعاج. المستقبل مثل ظلّ مظلم ومعلّق يتأرجح أمام وجهي. كانت نسرين على عكسي تشعر بالسكون، كانت شاردة وهي جالسة بقربي على كرسي في شهريور (شهر شمسي) تالش.. فجأة، ظهرت سيّارة في الشّارع المظلم المقابل، من بين تلك الأشجار الخضراء الكثيفة، كانت سيّارة حسين. مرّت من النّفق الأخضر (الإسم الذي أطلقته على ذلك الطريق) بسرعة، ومرّت فوق الجسر وعبر مدخل المنزل العريض إلى حديقة المنزل.

عند خروج حسين من السّيارة ألقى بنظره إلى الشّرفة وقال:

- ما القصّة في الأعلى هناك؟ لماذا أنتما صامتان وجالسان من دون حراك؟ هل أنتما حيّين، هل تريدان مني استحضاركما؟

- صعد السّلالم وجلس قربي. بعد ربع ساعة، سألني خلال احتسائنا نحن الثّلاثة القهوة:

- هل يمكنني المساعدة في شيء؟

- مساعدة؟ هل أنا طلبت المساعدة؟

- لم تطلب، ولكن من الواضح أنّك تعاني من مشكلة تزعجك.

- لا، الأمر ليس كذلك.

- بلى هو كذلك.

نادت زوجة جارنا نسرين من خلف السياج. وقفت نسرين، استأذنت وذهبت. حسين أصرّ على كلامه:

- بسرعة! أنا أنتظر، قل ماذا حدث؟

- لا شيء.. ليس بالأمر المهمّ... جيّد جدًّا. هناك مسألة حيّرتني. في الواقع... في الواقع هناك عدّة " إذا" تأكل فيّ مثل آكلي لحوم البشر: ماذا سيحدث إذا لم نجد العدد الكافي من الأفراد خلال بحثنا وتحقيقاتنا؟ ماذا إذا أتوا وكانت كلّ قصصهم قصيرة ومتشابهة؟ إذا كان بعد كلّ هذا الرّكض حجم تلك الكتابات أقلّ من حجم كتاب عاديّ؟ إذا فهمنا في النّهاية أن...

- وماذا سيحدث إذا جلسنا هنا ووضعنا يدًا على الأخرى؟ وإذا يئسنا قبل أن نخطو الخطوة الأولى؟

 ماذا إذا أطلقنا رصاصة الخلاص على دماغنا الآن؟ أنا مندهش يا جمال، أين ذهبت ثقتك الدّائمة بنفسك؟!

- أضعتها منذ البارحة وحتّى الآن.

أشار بسبّابته نحوي:

- اسمع، هل تعلم كم هي المسافة بين يزد وهنا؟ 

- ألف كيلومتر تقريبًا.

- لم أقطع كلّ هذه المسافة حتّى تقول لي بأنّك تقاعست! لا يمكنك التقاعس. لقد تأخّر الوقت كثيرًا للنّدم الآن. لقد اتّصلت بعدد من المسؤولين من أجل العمل الّذي سنقوم به، من محافظ مدينتنا حتّى مهندس قسم الأمن في بلديّة طهران، حتّى أنّني وضعت في جيبي مفتاح المنزل الّذي سنسكن فيه.

- دافعت عن نفسي:

- لم أقل أنّني ندمت. لقد قلت فقط بأنّ ذهني مشوّش.

- في الأصل، لا يوجد اختلاف كبير بينهم... انظر، أنا... أنا أدرك قلقك. أستطيع معرفة ما يدور في دماغك، ومن جهة ثانيّة قد تكون محاسبتي لك خاطئة جدًّا. عندما بدأت برحلتك للبحث عن الإنسان، كان كلّ ما حولك وداخلك إنسانيًّا، عندما حقّقت بحادثة الزلزال في منطقة "بم"، كانت كلّ أطرافك متزلزلة، أو عندما أردت كتابة قصّة ذلك الرّجل العجوز، كان بالقرب منك، أو عندما.... حسنًا، الوضع مختلفٌ الآن، فأنت تواجه موضوعًا مختلفًا بالكامل، وتريد أن تكتب خواطر أفراد ليست متوفّرة، عدم توفّرها لا يعني عدم وجودها. يجب أن تبحث كثيرًا، أو لنقولها بشكل أفضل، يجب أن نبحث كثيرًا حتّى نجدهم. 

- المسألة هي التّالية : قد لا نجدهم، الأمر ممكن، قد لا نجد العدد الكافي، أو قد نعود بخواطر لا قيمة لها.

هزّ رأسه قائلًا:

- ليس مهمًّا، سنتأسّف، ولكن ليس مهمًّا. على الأقلّ سنعلم أنّنا أدّينا وظيفتنا... سأسألك: أوليست نيّتنا نحن الاثنين خيرًا؟

- بلى.

- انفض يديك من العزاء يا أخي ومن أفكارك السّلبية. توكّل على الله، أنا مطمئنّ، سوف يساعدنا الله....

كانت هذه الجملة وبعض الجمل الأخرى من حديثه مؤثّرة ومشجّعة.

بعد عدّة دقائق، امتلكت مجدّدا كلّ الطّاقة والتّحفيز.

قال حسين بهدوء:

- الآن قل مثل البني آدم ما الخطّة في رأسك من أجل بداية عملنا؟

أجبته ممازحًا:

- من شارع "ناصر خسرو". هناك يمكن إيجاد كلّ الأشياء النّادرة! نمشي على الرّصيف، وكلّ مدّة، نضرب بيدنا على كتف أحدهم ونقول: "عفوًا، هل متّ قبلًا وعدت للحياة مجدّدًا؟"

- والمؤكّد سيقولون جميعهم لإجابتنا: "ماذا قلتم؟ هل متّ مرة واحدة فقط؟! نحن في هذه المدينة، يوميًّا نموت مئات المرّات ومن ثمّ نعود إلى الحياة!"

ليلًا، ألقيت بنظري نحو الغابة، دخلنا بهدوء إليها من جهة الغرب. تحوّلت المساحات الخضراء الرّطبة للأشجار إلى اللّون الأسود في ضوء المساء الخافت. فجأةً، قلت بجديّة منقطعة النّظير:

- من أجل البدء بالعمل، يجب أن نذهب إلى المستشفيات. يمكن للأطباء والممرّضين مساعدتنا. يحتمل أنّهم قد التقوا بأفراد من الذين نريد مقابلتهم، مع مرضى أخبروهم قصصًا عن عالم الموت. إذا ما التقوا بهكذا أفراد يكفينا مراجعة ملفّاتهم، ويجب تدوين رقم الهاتف وعنوان المنزل في كلّ ملف لمساعدتهم في إيجاد أولئك الأشخاص. برأيي علينا التّواصل مع الأطباء والممرّضين العاملين في قسم العناية المركّزة ICU 

- قلت ICU، ولكن حتّى الآن أنا لا أعلم الفرق بين الICU و الCCU، في ذلك الوقت لم أمتلك أيّة معلومات عن أمور المستشفيات.

مرّت نصف ساعة، أو أكثر. اقترح حسين أن نذهب إلى البحر. قال أنّه لم يذهب إلى بحر الخزر منذ وقت طويل وأنّه مشتاقٌ لرؤيته. قبلت ذلك. أردنا أن تذهب نسرين معنا، ولكنّها فضّلت البقاء في المنزل لتحضير العشاء. انطلقنا أنا وحسين باتّجاه البحر. كانت المسافة بين منزلي والبحر 20 كيلومترًا تقريبًا. على الشّاطئ، خلعنا أحذيتنا ومشينا قليلًا. من ثمّ جلسنا على صخرة كبيرة. صمت وبعد عن الغرباء. حاولت لمدّة قصيرة، أن أركّز بكلّ حواسي على الطّبيعة، وشردت في الأفق اللّامتناهي المتعرّج للبحر. دائمًا على المسافات البعيدة نرى شعاعًا نورانيًّا. في البداية يشرق كحبيبات ضوئيّة، كانت بشكل... كانت بشكل الشّرارة، من ثمّ وبشكل مفاجئ، تنفجر. ويتهيّأ للمرء أنّها بعد الانفجار تنتشر على امتداد البحر مثل شريط ضوئي... وأقرب من ذلك: يهجم الموج، بسرعة وعشوائيّة على اليابسة.

تهجم الموجة بسرعة وعشوائيّة على السّاحل، ولكن في اللّحظة الّتي كان يُتوقّع فيها أن تُحطّم الأرض كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة وتنتهي. يمكن مقارنتها بالحيوان الذّي تمّ إطلاق النّار عليه وهو يموت. الحيوان الّذي يضرب بمخالبه المؤذية مع آخر تشنّجاته، وتغرق في رمال السّاحل.

سحبني صوت حسين من تخيّلاتي: 

- معروف أنّك تحب البحر جدًّا... ولكن لماذا تعيش على أطراف الغابة؟

- لأنّي أحبّ الغابة أكثر بكثير، أحبّها أكثر من الحدّ. أنا عاشقٌ للغابة. أنا عاشقٌ لهذه الظّاهرة اللّطيفة والكاملة. بعقيدتي، تستطيع الأشجار أن تكون بديل الإنسان على الأرض. قد يكون بديلًا أكثر اطمئنانًا، وأكثر نجابة، وأكثر حكمة. أمّا من وجهة نظر الجماليّة: الغابة نسخة مطابقة مصغّرة عن الجنّة أو حتّى هي جزء من الجنّة. عندما أمشي في الغابة أتخايل نفسي في الجنّة، في جنّة مليئة بالأمور الجذّابة الّتي لا نظير لها، الأنهر، والمروج الخاشعة، والطّيور...

- أها! ابتعدت جدّا! عُد ! عذرًا على أخذك من الجنّة . يجب أن تعود فعلًا إلى الدنيا! لدينا أعمال غير منجزة حتّى الآن و يجب أن ننهيها.

انحنى، التقط حجرًا ورماه بمهارة باتّجاه البحر.

ثمّ قال:

- دعنا نراجع نوع مهامنا خلال مراحل البحث لآخر مرة، المسؤوليّات التي ستكون على عاتقي ومن بعدها المهام الخاصّة بك.

انشغلنا في مراجعة مسؤوليّاتنا. كان من جملة مسؤوليّات حسين تصوير فيديو جميع المحادثات. في المستقبل ستنفعنا هذه الأفلام كثيرًا، كانت مفيدة لي بالأخصّ. لهذا السّبب، قلت بنبرة حادّة:

- أعطني نسخة من الفيديو بعد كلّ مقابلة. سأشاهد جميع الأفلام حين تسمح لي الفرصة، سأكتب المحادثات كما هي على دفتري ومن بعدها سأعمل على تعديلها(المحادثات الخام).

كان الكلام كحزمة الدّيناميت وانفجرت بقربه:

- ماذا تقصد بأنّك ستعمل على تعديلها؟ ستتدخّل وتتصرّف؟ من أجل الله، لا تقل بأنّك تنوي التّدخّل والتّصرّف!

-إهدأ. قصدي هو تنظيم المحادثات، بعد المحتوى وقبله، والتّحرير.. والمعالجة.. وتبديل الكلمات للغة موحّدة... وقد نستعير وندمج بعض المحتويات، إلا إذا أمكنك افتح فمك.

وحاولت تغيير الموضوع:

- دعنا نتحدّث عن الأفراد الّذين نريد التكلّم معهم. قُل كيف؟ كيف نعرف بأنّ الطّرف المقابل يقول الحقيقة؟ كيف نعلم بأنّه لا يبالغ؟ فعلًا، أخشى أن يقدّموا ذكريات مبالغ فيها لقارئ الكتاب.

-أنا أخاف أيضًا، أخاف كثيرًا. ولكن ليس بسببهم، بل بسببك. أخاف حين تأليف الكتاب، أن تضيف  البهارات على ذكرياتهم وتبالغ فيها.أعتقد أنّ أكبر مسؤوليّاتي ستكون مراقبتك. إذا استطعت السّيطرة عليك سوف لن أقلق على أيّ شيء مطلقًا.

جيّد جدًّا، لا تأخذ الأمر على محمل الجدّ، أنا أمزح.

من ثمّ قال بنبرة حادّة:

- أنا لا أعتقد بأنّهم سيخبروننا قصصًا كاذبة أو مبالغًا فيها. نحن مصمّمون على التحدّث معهم وجهًا لوجه. إذا أرادوا الخلط في ذكرياتهم، سننتبه، على الأقل أنت ستنتبه لهكذا شيء، ضمنيًا سنتحقّق من صحّة تصريحاتهم بقدر ما نستطيع، وعندي بعض النّصائح من أجل هذا العمل:

قدّم نصائحه واستمرّ حديثنا، تباحثنا كثيرًا عن وظائفنا وعن الكثير من تفاصيل البحث واتّفقنا...

مع نهاية تباحثنا، سألت حسين هل توافق على السّباحة قليلًا؟

ردّه كان سلبيًّا يوحي بأنّه متعبُ جدًّا. ولكن أنا، لم أكن متعبًا. ولكي أرضيه قلت بأنّه يختلق الأعذار، حتمًا هو يستوحش من السّباحة  ليلًا. كما توقّعت، تحرّكت غيرته:

- لا تكن سخيفًا.

- إذا كان الأمر كذلك، اثبت ذلك سريعًا.

بعد قليل، كنت في البحر. حسين سبّاح أيضًا، لحق بي.

كان البحر وقحًا. هذا أفضل! استمتعت بالسّباحة. استمتعت بالسّباحة ليلًا. كنت أستمتع بالسّباحة ليلًا في البحر المضطرّب الهائج. الحالة الثّالثة، كنت أحسبها نوعًا من أنواع المواجهة. مواجهة عنيدة، خطيرة والأكيد بأنّها حمقاء للغاية... ذراعي تشقّ الماء وتدفعني إلى الأمام. الصّوت الّذي تصدره عضلاتي حين ارتطامها بالماء كان يحتضن غروري. رغم ذلك في بعض الأحيان، كنت أنزلق بين موجة وموجة، مئة متر إلى الأمام، أتت فجأة موجة عظيمة وغرقت في الظّلام الحالك. بعد بضع لحظات، شعرت بأنّني أُسحب باتّجاه قاع البحر. أصبح رأسي ثقيلًا. جلدة وجهي تحترق، ذراعي تطلق النّار، قدماي مخدّرتان، قوّة مميتة، بدني يرتعش...  وفجأة، أصبح ذهني خاليًا بشكل كامل...

تلك اللّيلة كنت على وشك الموت...

أخيرًا، انطلقنا نحو طهران في أحد الأيّام الممطرة. بقينا بالمجموع هناك عامًا واحدًا. مررنا على أغلبيّة المستشفيات. ساعدنا الكثير من الأطباء والممرّضين – وأصدقاءهم- بالإضافة لهم، عدد مثير للإعجاب من علماء الدّين والمثقّفين والعسكريّين. جميعهم ساعدونا من صميم قلوبهم. هناك ثلاثة عوامل مهمّة ربطت الأمور ببعضها: سؤال كبير، والفضول الجوهريّ ونيّة الخير. كانوا كلّ فترة يعرّفوننا على شخص (قد جرّب الموت). بعض الأحيان كنّا نذهب للقاء الأشخاص الّذين يخبروننا عنهم، وأحيانا هم يأتون إلينا. شاركونا ذكرياتهم بلهفة و... ماذا قلتم؟...كيف كان البشر؟ في الظّاهر عاديّون. مع هذا التّفسير الجوهريّ أنّ الشخصيّة كانت بسيطة إلى أبعد الحدود، ببساطة الأطفال. والعقل ناضجٌ ونظيف من الصدأ الرّوحيّ: الرّياء، والكِبر، والحسد، والضّغينة. كانت قلوبهم قد امتلأت بالعشق بعد تجربة الموت. عشقٌ شديدٌ لله وعشّاقه. أحيانًا كنت أفكّر بأنّهم متعلّقين بدنيا أخرى. دنيا الملائكة. 

لنكمل موضوعنا، كان للجميع دون استثناء ذكريات جذّابة ليقولوها. ولكن الكثير من الذّكريات -غير الجانب الشخصي- كانت تشبه بعضها البعض كثيرًا. ينقسم الأشخاص الذين أخبرونا قصّة موتهم إلى ثلاثة أنواع: مجموعة منهم بقوا في المستشفى بعد خروج أرواحهم من أبدانهم، البعض أخذ يطفو أبعد من محيط المستشفى وبين أهل المدينة، والنّوع الثالث انتقل إلى العالم بعد عالم الأرض. من بين جميع القصص، اخترت ثلاثة قصص ووضعتها في الكتاب. ستسألون أنفسكم حين مطالعة هذا الكتاب: "هل كلّ هذه القصص واقعيّة بالكامل؟! هل حقًّا شاهد هؤلاء الأشخاص المذكورون كلّ هذه الأمور؟!" الإجابة عن هذه الأسئلة بالنسبة إليّ، هي سهلة وصعبة في آن. إذا أردتم أن أعطيكم إجابة شخصيّة فهي سهلة ومشكلة إذا أجبتكم ككاتب وباحث، بل قد تكون أصعب إجابة في العالم. في الوقت الحاضر، لا تحتاجون إلى إجابتي الشخصيّة، تريدونها كمحقّق وكاتب. بناءً على ذلك يجب أن أنظر إلى كمّ المحادثات مع شكّ واحتياط كامل حتّى "بقسوة". والآن، الإجابة قاسية للغاية: أنا لست حاضرًا لوضع إمضائي تحت أيّة محادثة. اصبروا! لا تيأسوا. لطفًا استمعوا: هم لم يكذبوا علينا. فقط قالوا ما شاهدوه وسمعوه. ولكن قد... قد (من دون معرفة) يكون بعض ما شاهدوه أو سمعوه في عالم الأحلام. قد تكون بعض مشاهداتهم ناشئة من أوهام مثل الأوهام الّتي تسبّبها أدوية التخدير. من فضلكم لا تنسوا أنّني كتبت "بعضها": أنا لا أمتلك أدنى شكّ بانفصالهم عن أجسادهم. لا يوجد أيّ تردّد في قلبي عن أنّهم استطاعوا رؤية مشاهد من البرزخ. ولكنّ احتمال أنّهم حين مشاهدتهم لعالم البرزخ أو ما بعده واردٌ جدًّا أو أن يكونوا قد شاهدوا حلمًا أيضًا ذلك وارد. النّتيجة، أنّ جزءًا من الرّؤيا أو الوهم قد اختلط بذكرياتهم البرزخيّة. في المحصّلة يجب أن أعترف أنّه من غير الممكن تقريبًا فصل الواقع عن الرّؤيا. لا يمكننا حتى تكهّن حجم ومستوى التوهّم. قد يكون كثيرًا، وقد يكون قليلًا...أنا مدرك للأمر. هذا الشّكّ، هذا الاحتمال الذي أذكره، يضرّ بالكتاب. لا مشكلة، فليضرّ به، ولكنّني لا أحبّ أن أكون واقفًا في حضرة الله نادمًا ومعذّبًا، ومخصوصًا بسبب كتاب كان قصدي من كتابته التقرّب من الله. من المؤكّد أنّكم سمعتم هذا المثل المؤسف: "فلان أراد أن ينال الأجر، انتهى به الأمر مشويًّا". لا، شكرًا، لا أريد أن أنشوي.

مع كلّ هذه الأمور لا يجب أن يبقى شيئًا دون أن نقوله: مرّات كثيرة، خلال المحادثات المختلفة كنت أسأل الأفراد:

- ألا تعتقدون بأنّكم رأيتم هذه الأمور في الحلم؟

يجيبون بأنّهم لم يروا حلمًا. تلك المشاهد يعتقدون بأنّها واقعيّة بالكامل.

من المؤكّد، لم نصدّق قصصهم العجيبة فورًا. ولكن بقدر استطاعتنا قمنا بالبحث والتّحقيق في أمرها. كعيّنة بسيطة: كان هناك شخص يدّعي أنّه بعد سكتةٍ قلبيّة، تركت روحه بدنه، وبالإضافة إلى جسده شاهد الطّبيب والممرّض، ورأى بالضّبط ما كانا يفعلانه...حسنًا، بعد الحديث، ذهبنا لرؤية ذلك الطّبيب والممرض وسألناهما. كانت النتيجة: أنّ كلام ذلك الشّخص صحيحًا. بالطّبع واجهنا بعض التّصريحات التي لا شاهد عليها، وأغلبها كان مرتبطًا برؤية مشاهد عن العوالم العليا جدًّا. في حالات كهذه، كنّا نرجع إلى الكتب المرجعيّة والروايات، وفي بعض الحالات، تمّ تأكيد ما شاهده وسمعه هؤلاء الأشخاص ضمنيًّا، وفي بعض الأحيان بقينا في القمّة حتّى في الظّلام الحالك.

وفي النّهاية بقيت نقاط لابد من ذكرها:

1-أغلب الّذين تحدّثوا عن تجربتهم الشخصيّة للموت، ليسوا جاهزين لإفشاء أسمائهم. (من جملتهم: الأعزّاء الثّلاثة المذكورة قصصهم في هذا الكتاب). كانوا لأسباب مختلفة يرفضون الكشف عن هويّاتهم لأسباب كالخوف من التلوّث بمرض الكبر، والخوف من أن يتمّ تصنيفهم ووسمهم من قبل المجتمع، والمعارضة الشّديدة من الأقارب المقرّبين، واحتمال تعريض مكانتهم الاجتماعية للخطر، و...

2-بعد تصفّح جميع المقابلات، لاحظت نقاط ضعف أزعجتني، لاحظت أنّ بعض الأمور تركتها في منتصفها، وأنّني أحيانًا كنت أطرح أسئلة غير ضروريّة، كما لاحظت أنّ بعض النّقاط المهمّة الّتي كان يجب أن أسأل عنها لم أسأل عنها. لا أريد تبرير نقاط ضعفي. 

ولكن ليس من الخطأ أن تعلموا: كان ذهني مشغولًا جدًّا خلال المقابلات. في لحظة واحدة، عليّ أن أقرّر كيفيّة توجيه البحث؟ أيّ مقطع من حديثه أريد منه أن يشرحه أكثر؟ ماذا أسأل؟ كيف أعيد الحديث إلى مساره الأساسي؟ و... على كلّ حال أنا أعتذر لعدم متابعتي لبعض المحتوى، بسبب الأسئلة الّتي طرحتها ولم تكن مهمّة، بسبب... بسبب كلّ النواقص.

3-قبل طباعة هذا الأثر كان يجب أن أعرف رأي عدد من الأعزّاء. على هذا الأساس، أخذ حسين العزيز على عاتقه عناء إرسال المسودّات إلى أفرادٍ مختلفين، أفرادٌ من مختلف الفئات العمريّة والعلميّة والثّقافيّة. 

تفضّل عددٌ مهمّ من العلماء وأصحاب الرّأي الدّيني بمطالعة المسودّة، أكثر هؤلاء الرّجال والمفكّرين الكبار كانوا راضين بالكامل عن نتيجة العمل، ولكنّ اثنان من الحكماء (طلبا عدم ذكر اسميْهما) أثناء الدّعاء بالخير، أعلّنا: أنّ بعض الأمور الموجودة في الكتاب تختلف مع رؤيتهما، (وطبعًا أعلمانا بهذه النّقاط الدّقيقة)،  أتشكّر هذان العالمان الكبيران على دعائهما الصّادق؛ وبسبب دقّتهم المثيرة للإعجاب أقبل الاعتراضات وأستسلم بتواضع. 

الحقيقة، قرّرْتُ ذكر رأيْ هذيْن العزيزيْن في هذه الصفحة، ولكنّني فكّرْت: " لماذا يجب عليّ تسليم كلّ شيء للمجتمع بشكلٍ شفّاف بالكامل؟ قد يكون من الأفضل إيجاد بعض الأسئلة في ذهن القارئ؛ من بعدها أسحبُ نفسي وأترك القارئ يحقّق بنفسه عن محتوى الكتاب"، كان هذا التّفكير (سواء أكان صحيحًا أو خاطئًا، جاهزًا أو لا) سببًا لصرف النّظر عن قراري.

كانوا لطفاء بما يكفي لقراءة المقال والتّعبير عن رأيهم، وكان واضحًا من آرائهم أنّهم قرأوا النّص بنظرة لطيفة للغاية، لقد غمروني بحمايتهم ومحبّتهم وكرمهم، في الوقت نفسه كانوا سببًا لشعوري أكثر فأكثر بثقل المسؤوليّة.

4-هذا الكتاب، عُرض في قالب عدّة مقابلات، من البديهيّ أنّ بنيته تختلف عن الأبنية المتداولة لكتب الرّوايات، لذلك من الطّبيعيّ، أن يكون نبض الكتاب بطيئًا أو ينقطع في بعض أجزائه؛ ومن الطّبيعيّ سيطول البحث في بعض أجزائه أو سندخل في التّفاصيل؛ لهذا أخذ كلام بعض الأشخاص حالة الوعظ أحيانًا و ربما تكون المقابلات قد حلّت الألغاز، ولكن يقينًا بقي الكثير من الأسئلة، آمل أن لا ينتظر أحد منّا (أنا وصديقي) الإجابة عن هذه الأسئلة، نحن نعلم عن الموت بنفس القدر الّذي يعرفه الكثيرمنا لقرّاء الآن.

5-أنا شخصيًّا وبالنّيابة عن العزيز حسين أشكر جميع الأتقياء الكرماء الّذين حكوا لنا قصّة موتهم. أشكر أصدقائي الّذين هيّأوا الظّروف الملائمة من أجل القيام بالمقابلات. أشكر: كبارَنا الذّين ساعدونا بآرائهم القيّمة.

وأخيرًا، مع كلّ ما عندي، لديّ طلبان منكم، أيّها القرّاء الأعزّاء: "ضعوا كلّ عيوب الكتاب في حسابي؛ كلّ حسنٍ ترونه في هذا الكتاب آمنوا بأنّه من لطف ربّانيّ.

الآن وبعد كلّ هذا الكلام، نقدّم هذا الكتاب إليكم أيّها القرّاء المحترمون. ويشمل ثلاثة قصص عن "تجربة قريبة من الموت". لطفًا استمتعوا بالمطالعة.

                                                                                            دمتم موفّقين

تعليقات الزوار

سلة المشتريات