هوية الكتاب
عنوان الشهيد العزيز
تأليف مصيب معصوميان
ترجمة ياسر الخيرو
إخراج فنّي محمد صالح
طبعة الأولى
عدد الصفحات 182
قياس 14*21
تجليد غلاف
سنة النشر 2018
ISBN 978-9953-983-08-0
سعر 6$

الشهيد العزيز

كتاب "الشهيد العزيز" من مجموعة حكاية الصالحين رقم (2) يتحدث عن ذكريات "محمود رادمهر" المدافع عن حرم أهل البيت علیهم السلام.

مجموعة "حكاية الصالحين" تحكي قصة الشهداء الايرانيين اللذين إستشهدوا في سورية والعراق دفاعاً عن حرم أهل البيت علیهم السلام.

المقدمة:

تعرفت على الشهيد السعيد "محمود رادمهر" في عام 2011. كنت أراه شابّاً نشيطاً في الفعاليات القتالية، والتخطيط والنشاطات العسكرية، كما كان شابّاً ذكيّاً، مستعدّاً مخلصاً، متواضعاً مُتقناً لعمله بشكل تام. اجتذب هذا الشاب اهتمامي. وكان الصمت يخيّم على قاعات الاجتماع عندما يبدأ محمود الكلام، حيث يصغي له الجميع بانتباه. وفي ساحات القتال، كان الضبّاط والمقاتلون ينظرون إلى محمود منتظرين سماع رأيه. حتى عندما كان بين أصدقائه كان الجميع ينظرون إليه ويرصدون حركاته. كنت أشعر بفرحة غامرة وأنا أرى بريق نجم هذا الشاب وهو يعمل ضمن الوحدة المسؤول عنها.

كنت قد اخترته ليلعب دوراً في مستقبل الفرقة. كنت قد عقدت أملا كبيراً على مستقبله. كثيراً مّا اعتمدتُ على قدراته، وغمرني الفرح وأنا أرى تصرفاته واخلاصه في العمل.  كان إنساناً مخلصاً ومتواضعاً حقّاً، وكان يسخّر جميع طاقاته وإمكانياته لخدمة الفرقة. كان في وسط الميدان دائماً. كان إنساناً سامياً ومهذّباً يمتلك على الصعيد الفردي والصعيد العملي إمكانيات مشهودة وأُخرى كامنة كبيرة.

كثيراً مّا رأيته وهو يتهرب من الحصول على المناصب. عندما كنت أرى كيف يسعى البعض بكلّ جهده من أجل الحصول على بعض المناصب، ثم أرى محمود ومدى ابتعاده عن بهرج الدنيا ومتاعها، فإنني أشعر بالخجل من نفسي. لا يمكنني أن أحسب المرات التي شعرت بها بالغبطة وأنا أرى هذا الرجل. كان مستعدّاً للعمل دائماً، ورغم ذلك كان يتهرب من الحصول على المناصب والعناوين الوظيفية. كان الأكثر عملاً والأكثر تهرّباً من المناصب.

لا أبالغ لو قلت إنّ إخلاصه في العمل كان فريداً من نوعه. كان يضع جميع إمكانياته تحت تصرف حرس الثورة الإسلاميّة، ويعمل بإخلاص. كان من الأوائل في جميع المجالات، كان من المتخصصين الذين يستطيعون أن يعيشوا حياة مرفهة بالاعتماد على خبرتهم وطاقاتهم؛ إلا أنه كان يسخّر جميع ما لديه لخدمة الثورة الإسلاميّة وحمايتها. التحق بحرس الثورة الإسلامية بجدّ وبروح ثورية، وحافظ على التزامه تجاه هذه المنظمة الثوريّة، حتى آخر قطرة من دمه.

كثيرون كانوا قادة، ولكنهم لم يكونوا مقاتلين، وكثيرون كانوا مقاتلين، إلا أنهم لم يكونوا قادة، ولكنّ محمود رادمهر كان قائداً من الطراز الأول، ومقاتلاً من الطراز الأول. لا يمكنني أن أصفه إلا بالقائد المقاتل.

كان قليل التكلّف ومتواضعاً. وفي أعماله وواجباته كان دائماً مّا يضع مصالح المؤسسة في نظر الاعتبار. ولم يكن ليجعل نفسه مديناً لبيت المال ولو بريال واحد. كان دقيقاً وحذراً في إنفاق الأموال العامة.

الى جانب كل هذه الصفات الحسنة، كان لطيف المعشر وظريفاً، كان يتمتع بهيبة وسحر يجذبان الجميع نحوه، وهنا أقول ومن دون تردد: من المؤسف أن يكون مصير مثل هذا الإنسان أمراً غير الاستشهاد في سبيل الله.

والآن بين أيدينا صفحات من حياة هذا الرجل العظيم المؤمن بالله، وهي صفحات خطّتها أنامل أخي العزيز، المقاتل في ساحات الدفاع المقدس ضد العدوان الصدّامي، وكذلك المقاتل في جبهة الدفاع عن حرم آل الله، أخي "مصيب معصوميان". وهنا أجد أنّ من الضروري أن أتقّدم بشكرٍ خاصّ لهذا الأخ العزيز الذي مهّد لاطّلاع الجيل الحالي والأجيال الآتية على حياة المجاهدين.

وأخيراً أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل حياتي في طريق إرضاء الشهداء والذي يؤدّي بالنتيجة إلى رضا الباري عز وجل، وأن لا يُخجِلنا بين أيدي شهدائنا الأعزاء.

حميد رضا رستميان

آمر الفرقة 25 كربلاء

2-5-2017م

كلمة المؤلف:

قبل خمسة أعوام طرق اسمه اُذني. "محمود رادمهر". كنت أسمع عنه الكثير من القوات في الفرقة. سمعت عنه كلاماً رسم في مخيّلتي صورة ممتازة لهذا الشخص. فهو يتمتع بذكاء خارق وهو متواضع إلى درجة تجعله يشبه كثيراً مّا سمعناه عن أشخاص عظماء في أيام الدفاع المقدس ضد العدوان الصدامي. كانوا يقولون انه شخص فريد من نوعه في الفرقة. اقترح عليه تولي مسؤوليات هامة على مستوى الفرقة وكذلك على مستوى قوات مشاة حرس الثورة الإسلامية، ولكنه لم يقبل تولّي أيّ منها. يُقال إنه حصل على ترقية، إلّا أنه رفضها معتبراً أنّه ليس أهلاً لذلك. كما أنّ قادته في الفرقة كانوا على استعداد أن يسمحوا ببقائه في الوحدة السابقة، أي وحدة العمليات، على أن يصدروا له شهادة بترقية اسمية اعترافاً منهم بقدراته وتقديراً لجهوده، ولكنه شكك في شرعية هذا التصرف ورفض الانصياع لذلك. وأخيراً شاع بين أفراد الفرقة كلام عن سفر محمود الى لبنان وقتاله ضد الصهاينة. كنت أقارن الأمور التي سمعتها عنه مع ما آل إليه حال الكثيرين في يومنا هذا، وهذا ما أثار دهشتي وجعلني أشعر بالارتياح بأنه يوجد شخص مثل هذا بين زملائي؛ شخص فضّل أن يبقى جنديّاً بدلاً من أن يصبح قائداً رغم امتلاكه الكثير من الإمكانيات! كان يرى أنّ المسؤوليات تُعيق تقدّم الشخص، فالأشخاص العاديّون يستطيعون الكلام بحرية أكبر ويمكنهم تحقيق الأهداف والوصول إليها أسرع.

كلّ هذا كان قبل أن يحالفني الحظ ويوفقني الله لأكون رفيقاً له بالسلاح في معركة خان طومان بسوريا. لن أنسى أبداً لحظة من لحظات ذكرياتي معه. إنّ ما رأيته من تصرّفاته كان يؤكد ما كنت قد سمعته عنه سابقاً. ضحكاته، تلاوته للقرآن الكريم، إحداثياته الدقيقة لقذائف الهاون حيث كانت تسقط وسط الأعداء، هتافه الله أكبر وروحي فداء للقائد، فرحه عندما تصيب رصاصاته الأعداء، ترديده "يا زهراء .. يا زينب" عبر اللاسلكي، البكاء بعد الصلاة، والحماس الذي بثّه في قلوب زملائه بعد استشهاد صديقه المقرّب "تقي سالخورده" بكلامه وصوته المحبّب إلى القلوب، الوشاح الأسود الذي كان يلفّه حول رقبته دائماً، لن أنسى هذه الأُمور أبداً.

ولن أنسى أبداً الثامن عشر من أيار عام 2016م عندما شن الدواعش هجوماً فتفاجئوا بمقاومة شرسة من قبل مقاتلينا مما أجبرهم على الفرار بعد أن تكبدوا خسائر فادحة. في ذلك اليوم طلب محمود من جميع القوات أن يرفعوا الأذان بصوت عالٍ وأن يغيضوا الدواعش بأن يرفعوا أصواتهم أكثر وهم يرددون: "أشهدُ أنَّ علياً وليُ الله". وقال: جميع هذه الانتصارات هي منة من الله ونحن لم نفعل شيئاً.

بعد أذان الظهر، وقبل ست ساعات من استشهاده كانت آخر مرة عانقته فيها، قبّلت وجهه، واحتضنته بقوة. لم أكن أرغب بأن أتركه، كانت تفوح منه رائحة مميزة في ذلك اليوم. كنّا قد اتفقنا على أن يروي لنا بعد الصلاة تفاصيل عن ذكرياته مع الشهيدين "محمد شاليكار" و "محمد علي معصوميان". لم أكن أعلم أنني سأفارق هذا الرجل وسأبقى أتحسر على فقدانه. بين الصلاتين أخبروا محمود أنّ العدوّ ينوي شنّ هجوم، لذلك طلب من الجميع أن يتوجهوا الى مواقعهم القتالية بعد الصلاة. واعتذر من الرفاق لأنّه لن يتمكن من إخبارهم بذكرياته عن الشهيدين "شاليكار" و"معصوميان" وقال: إذا كُتبت لي الحياة، فإنني سأخبركم عنهما في وقت لاحق".

وما إن بدأ العدوّ القصفَ التحضيري استعداداً لشن الهجوم حتى قال محمود:

-ما شاء الله، سيبدأ حفل الزفاف!

وبعد ما يقارب خمس أو ست ساعات من الهجوم القوي الذي شنّه العدو، وإثر معركة ضارية، حوصر محمود وعدد من مقاتلي الفرقة الشجعان وأدى ذلك الى استشهاد محمود ومن معه جميعاً.

لاحقاً عندما التقيت والدة محمود قالت: "في عيد المبعث النبوي الشريف عام 2006م أقمنا حفل زفاف محمود، وفي يوم المبعث عام 2016م استشهد". لقد تزوج في يوم المبعث النبوي الشريف واستشهد في نفس اليوم بعد 10 سنوات. لا أعلم ربما كانت جملة محمود التي قالها عندما بدأ التكفيريون هجومهم باتجاه مقرّنا: "ما شاء الله، سيبدأ حفل الزفاف!"  ربما كانت تحمل في طيّاتها أسراراً لا نفهمها أنا وأمثالي.

ما حصل في خان طومان السورية والملحمة التي سطّرها الرجال الشجعان في الفرقة، لم يغيبا عن بالي، فلم أتمكن من البقاء مكتوف اليدين واتجهت نحو جمع المعلومات عن هؤلاء الرجال وكتابتها. كنت قد كتبت قصة حياة الشهيد "محمد شاليكار" وهو من الشهداء الذين سقطوا على الأراضي السورية ومن أصدقائي الذين عشت معهم عقوداً من الزمن، وأطلقت على كتاب سيرة حياته "وداعا أيتها الدنيا"، وعندما انتهيت من ذلك الكتاب، شغل >محمود رادمهر< ذهني.

زرت عائلة محمود مع "مجتبى نظري" في الثاني من كانون الثاني عام 2017م. استأذنتُ والدته التي كانت عميقةَ الإيمان، شجاعةً، ودائماً ما تشجّع أبناءها على أن يشاركوا مشاركة مميزة في المهمات، طلبت منها الإذن لأقوم بجمع ذكريات عن ابنها وكتابتها؛ فابتسمت ابتسامة رضا ووافقت على الأمر مُرحّبة.

بعد ذلك زرت آمر فرقة 25 كربلاء، الجنرال رستميان، وحصلت على موافقته ودعمه للعمل، فتوكلت على الله وبدأت العمل وثابرت حتى أنهيته.

والآن أصبح هذا الكتاب يحتوي على ذكريات جميلة وعبر وحكم من سيرة حياة رجل شجاع لم يسمح لحب الدنيا والشهوات أن تعطّله عن التقدم نحو مقصده. إنّ آهاته كانت نابعة من صميم ما يشعر بالحاجة إليه، وباب الشهادة كان مفتوحا أمامه على مصراعيه! وهنا أجد أن من الضروري أن أتقدم بالشكر إلى والدة هذا الشهيد العظيم التي وثقت بي وسمحت لي أن أسير في عالم ذكريات فلذة كبدها. وأتمنى ان يجمعني الله سبحانه وتعالى في الآخرة مع هذا الشهيد البطل وجميع شهداء الإسلام.

أتمنى أن يكون هذا العمل ذخراً لي في آخرتي، وأن يكون عوناً لي في يوم الواقعة، إذ أنني لم أكن أهلا للشهادة.

وأرى أنّ من الواجب عليّ أن أتقدم بالشكر للإخوة الأعزاء الذين مدّوا لي يد العون في هذا العمل:

الجنرال العزيز حميد رضا رستميان، آمر الفرقة 25 كربلاء، الرجل العظيم الذي لم يتوانَ عن تقديم كل ما بوسعه من مساعدة لإتمام هذا العمل.

أخي العزيز مجتبى نظري، نائب آمر الفرقة 25 كربلاء الذي كان مرافقاً لي في جميع تفاصيل هذا العمل.

الأخ صادق كيان نجاد أميري، الذي تولى إعادة صياغة المذكرات وقام بدور كبير في ذلك.

السيدة سليمة عباسي التي ساعدتني في مهمة كتابة الحوارات المسجّلة صوتياً.

الأعزاء الذين ربما نيست ذكر أسمائهم.

                                               مصيب معصوميان

2 مايو 2017م