ونظم أمركم
المقدمة
خلق الله تعالى الإنسان اجتماعياً بالطبع، بمعنى أنّه ينوء بنفسه أن يقوم بحاجياته وتكامله، سواء بذلك المادية منها والمعنوية، بل لا بد له من الاستعانة بغيره؛ فمتى ما وجد نفسه في الجمع سكنت حزونته واطمأنّت حرورته وحصّل لنفسه ما يريد.
وهذا كلّه يتضمّن ويتطلّب نظماً وإدارة خاصّتين كي يبقَى هذا التّكامل في سيره التّصاعدي لينعم وأقرانُه جميعاً ببركة هذا الجمع، ولكنّا إلى الآن، وللأسف، لا نزال نجهل كثيراً ضوابط وأصول هذا النّظم، وإذا ما قرّرنا أن نبدأ بالتّعرف على هذه الأصول وهذه الضّوابط يجب علينا أولاً أن نقرّ بأهميّة العمل المؤسساتي والإلتزام بكل لوازمه ومقرراته ثانياً.
ولا يخفى أن عمدة مشاكلنا تتمركز في الفردانية التي نعيشها وضعف باعنا في مجال العمل والوعي الجمعي، لذلك أضعنا الهدف كما أننا أضعنا الجهة لا بل أضعنا أنفسنا حتى وبقينا ندور في دوامة هذه الحياة نفتقد فيها لكثير من مثلها وقيمها وسبل تحقيقها.
إن التّعرف على ضوابط وقواعد العمل المؤسساتي يعيننا كثيراً في تشكيل المؤسسات وإدارتها، فالهدفية والبرمجة الدقيقة والموارد البشرية كلّها تجتمع لتشكّل لنا مؤسسةً ناشطةً قويمةً وصحيحة، ويبقى كل فرد فيها أن يسعى ليؤدي دوره على أحسن وجه في سبيل تقويتها وتطويرها، وهنا يأتي دور المدير الذي هو في الواقع ضابط الإيقاع الذي يحرك القوى والإمكانات في كلّ مؤسسة، عبر الدعم والمتابعة والإشراف والتفويض لأفراد مجموعته ليعطوا ويقدّموا أكثر فأكثر.
وهنا لا يسعنا إلا الوقوف عند أبرز شخصيةٍ تمارس دورها الإداري على أعلى المستويات، ألا وهو سماحة آية الله العظمى الإمام القائد السيد علي الحسيني الخامنائي دام ظله الوارف، حيث قد تسنّم أعلى مركزٍ إداري ومسؤول يمكن لإنسان أن يتسنمه ألا وهو مقام الولاية والقيادة للمسلمين ولنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، متسلحاً بعمق الإيمان وطهارة الروح وخبرة (علمية – عملية) اكتسبها على امتداد سني علمه وجهاده، من مسؤوليته كعضوٍ في مجلس الثورة الإسلامية، إلى إعداد التعبئة العامة أثناء الحرب المفروضة على إيران، عضو مجلس الشورى الإسلامي، رئاسة مجلس الشورى الأعلي للثورة الثقافية، تسلم مقام رئاسة الجمهورية، وغيرها من المناصب الإدارية التي تحتاج إلى نظام وانتظام داخلي وأساسيّ خاص، أدارها إدارة استثنائية وخاصة لتحديد الأهداف والرؤى والأطروحات المستقبلية والخطط الخماسية والعشرية والعشرينية وغيرها مما يجعله خبيراً إدارياً وماهراً استراتيجياً يمكن الاستفادة منه في شتى المجالات، خصوصاً لجهة فهم آراء النظريات.
والكتاب الحاضر عبارة عن ضوابط ورؤى استلّت من كلماته وخطبه دام ظله التي ألقاها في العديد من المحافل والمهرجانات واللقاءات لكافة المؤسسات والجمعيات والاتحادات وغيرها من القوى العاملة والفاعلة في المجتمع على شتّى الميادين والصّعد.
وقد تم اعداد الترجمة لتستفيد منها كلّ المؤسسات التي يربطها بالعمل الإداري صلة التطوير والنهوض، خصوصاً على المستوى الإسلامي، ونودّ أن نضيف هنا نقطة:
- إن النصّ الفارسي عبارة عن محاضرات تخاطب الجمهور مباشرة ونقله من الفارسية الى العربية بنصّه الحرفي قد يضعف الكثير من الأفكار، لذلك تمّ تعديل بعض العبارات دون المساس بالمضمون ليتناسب والثقافة العربية، إلا في الموارد التي كان لحرفية الترجمة دورٌ مهم في بيان النقاط التي كان يرنو إليها سماحته.
هذا ونسأل الله تعالى أن ينفع به كما نفع بأصله وأن يبقيه في خانة حسناتنا خدمةً لهذه الأمة المعطاءة التي قدّمت الغالي والنفيس في سبيل إعلاء شأن لا إله إلا الله ودفع يد الأعداء والطامعين في خيرات منطقتنا التي هي حق مكتسب ومشروع لكل أبنائها على مختلف طوائفهم وانتماءاتهم.
المترجم