القِراءة حَياة
ليس عبثاً أن كانت "اقْرَأْ " أولُ كلمةٍ أُنزلتْ على قلب محمد صلى الله عليه وسلم. لكأنما حَددَّت نقطة الانطلاق، ورَسمتْ خارطة الطريق، وكشفت سِرَّ الخلاص والسمو والتحرر، على المستويين الفردي والجمعي.
"اقْرَأْ" بكل ما تحمل من مدلولات ومعانٍ وإحالات وآفاق: قِراءةُ الكتب، وقِراءةُ الكون، وقِراءةُ المشاعر والأفكار، قِراءةُ الأحداث، قِراءةُ الرؤى والأحلام، قِراءةُ كلَّ ما يُمكنُ أن يُقرأ. وكلُّ شيءٍ يُقرأ. وإنْ كانتْ الأولويةُ والتركيزُ على قِراءةِ ما خَطَّهُ القلم؛ لقوله تعالى في السورة نفسها "الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ" لما تحملهُ هذه القِراءةُ من أهميةٍ وضَرورةٍ وفَرادةٍ وخُصوصيةٍ لا تتوافر في غيرها.
أهمية القِراءة لا يَجهلها أحدٌ، ولا يُجادلُ في ضَرورتها إنسانٌ، ولا يَجحدُ فَضلُها عَاقلٌ. وقد سُطِرَت فيها ألوفَ الكُتبِ، ودُبِجّتْ حولها ملايين المقالاتِ والرسائلِ والأبحاثِ. فلم تَعد أهميةُ القِراءةِ مَحلَّ نِقاشٍ أو جِدالٍ أو شَكٍ أو مُعارضةٍ. لا يختلفُ على القِراءةِ أحدٌ، ولكنْ قد يحدثُ الاختلافُ عليها كأولويةٍ وقوةِ تأثيرٍ ونوعيةٍ.
ماذا تعني القِراءة؟
ليس عبثاً أن كانت "اقْرَأْ " أولُ كلمةٍ أُنزلتْ على قلب محمد صلى الله عليه وسلم. لكأنما حَددَّت نقطة الانطلاق،
•القِراءةُ حياةٌ، حياةٌ تتجدد مع كلِّ كتابٍ، وكل كتاب حياة تُضاف إلى الحياة، فالقارئُ يعيشُ حَيوات لا حياةً واحدةً فقط.
•القِراءةُ حُريةٌ وانعتاقٌ من سَطوة أفكار الآخرين وآرائهم، تمنحُ الاستقلالية وتُنهي الوصاية والعبودية.
•القِراءةُ نورٌ وتبديدٌ للأوهام والخرافات والظلمات. تُنير الطريق، وتُحدد المعالم، وتُبَصِّر بالعوائق قبل الاصطام بها.
•القِراءةُ سِياحةٌ في أرجاءِ الكون الواسع، تتجاوزُ بوساطتها قيود المكان والزمان، فكلَّ مكانٍ مُتاحٌ للزيارة ينتظرُ قرارك، وكل زمان برسم الاسترجاع، دون سحر أو طلاسم، إلا سحر الكلمات.
•القِراءةُ سِباحةٌ في بحار العلم والمعرفة على مراكب السطور. سِباحةٌ مأمونة العواقب، مضمونة النتائج.
•القِراءةُ صَيدٌ لكلِّ ثمينٍ ونفيسٍ مِنَ الكُتب والمؤلفاتِ، والصيادُ الماهرُ يعرفُ الطرائد في مظانها.
•القِراءةُ تَواصلٌ مع العلماء والمفكرين والأدباء والفلاسفة والمُصلحين وكلِّ مَنْ كَتَبَ بالقلم، منذ أول حَرفٍ خُطَّ.
•القِراءةُ اتصالٌ مع الآخرين من خلال القراءات المشتركة التي تجمع بين الجميع على الرغم من اختلاف اللغة والعرق والبلد والدين.
•القِراءةُ مُضادٌ حيويٌ للتطرف والتعصب والإقصاء، فكلما ازداد المرء قِراءةً ازداد تسامحاً وانفتاحاً ومرونة، ومعرفةً بالآخر وتقبلاً له، وبالتالي تفهماً له وتعاوناً معه والتقاءً به.
•القِراءةُ حِوارٌ مع الأفكار والآراء والتصورات والأخيلة، والتقاءٌ مع أصحابها على صفحات الكتب.
•القِراءةُ وطنٌ لمن لا وطن له، وطنٌ رحبٌ شاسعُ الأرجاءِ، لا ضرر فيه ولا ضرار.
•القِراءةُ ثَراءٌ بالمعرفةِ والفكرِ واللُّغة والخُلق والأدب والذوقِ والمشاعر والجَمال.
•القِراءةُ مُستقبلٌ، فما ترسمهُ الكَلِماتُ التي نقرأها، قد نعيشه واقعاً في الغد.
•القِراءةُ مشروعُ كِتابة، فما قَرأناهُ وَنَقرأهُ، قد نكتبه في المستقبل، فالكتابة هي نتيجة للقِراءةِ الواعية بالضرورة.
•القِراءةُ وَعيٌ ، وَعيٌ بذاتك، ووَعيٌ بما حَولكَ، ووَعيٌ بالعلاقات بين الأشياء والأحداث.
•القِراءةُ نَبوءةٌ؛ القِراءةُ الواعية تمنحكُ القدرةَ على التحليل والربط والاستنتاج، وبالتالي حدسُ وتوقعُ وإدراكُ ما قد يحدث.
•القِراءةُ مُتعةٌ خَالصةٌ دون شوائب أو مُكدرات، مُتعةُ التهام الصفحات، والتقاطُ الدُرر والحِكم، ولَذةٌ في تذوقِ جَمال العبارات والصور الفنية، وانبهارٌ بمنطقية الأفكار وعبقرية الآراء والتصورات.
•القِراءةُ سَعادةٌ، سَعادةٌ وأنتَ تَغرقُ في بِحارِ الكُتب وتَغوصَ وتَغوص، ولكنك على يَقينٍ أنك لن تَهلك، وأنه غَرقٌ في النعيم، وغَوصٌ يرفعك للأعالي.
•القِراءةُ عِشقٌ، عِشقٌ للكُتب، عِشقٌ لا يتركك تعيشُ إلا والكتاب قرينك، في الحِلِّ والترحال، معك وأنتَ تأكل، وأنت تمشي، وأنت تشرب، وشريكك في الفِراش. الكتاب الجميل يُذهلك عن نفسك.
•القِراءةُ قُوةٌ ومَنعةٌ وسَطوةٌ، قُوةٌ في عقلك وقُوةٌ في أحْكامك، ومَنعةٌ من كل خَطلٍ أو زَللٍ، وسَطوةٌ على الآخرين وفراغِ عقولهم.
•القِراءةُ ثَورةٌ على الجهل وقُوى التخلف والظلام، ثورةٌ على الساكن الراكد، ثورةٌ على المألوف المُعتاد.
•القِراءةُ جَنَّةٌ تدخلها بإرادتك، ولك مُطلقُ الحرية في اختيار أهلها،وأنت الملك المتوج عليها.
•القِراءةُ تِرياقٌ، تِرياقٌ ضِدَّ الوَحدة، ضِدَّ السَأمِ، ضِدَّ الملل، ضِدَّ القَلق، ضِدَّ الجَهل، ضِدَّ رِفاق السُّوء.
•القِراءةُ تِرياقٌ، تِرياقٌ ضِدَّ الوَحدة، ضِدَّ السَأمِ، ضِدَّ الملل، ضِدَّ القَلق، ضِدَّ الجَهل، ضِدَّ رِفاق السُّوء.
•القِراءةُ عِلاجٌ وشِفاءٌ، عِلاجٌ من الحيرة والقلق، عِلاجٌ من التَردد والبِلبالِ، علِاجٌ من الفَراغ، عِلاجٌ من اللامبالاة، عِلاجٌ من التَهميش.
•القِراءةُ أنسَنةٌ، تُروض وحشيتك، وتُقلم مخالب غضبك وتسرعك، وتُرقق طباعك، وتُوسع صدرك، وتُطلي لسانك.
•القِراءةُ ارتقاءٌ، فكلما قرأتَ ارتقيتَ، ومَنزلتُك تُحددها أنتَ بمقدار ما تقرأ.
•القِراءةُ ثِقةٌ، ثِقةٌ بمعلوماتك، ثِقةٌ بأفكارك، ثِقةٌ بكنوزك، ثِقةٌ بِقدرتك على الحوار، ثِقةٌ بإمكاناتك وقدراتك.
•القِراءةُ ضَرورةٌ كالهواء والماء والطعام، ورُبَّ قارئ ضَحَّى بوجبة لذيذة من أجل كتابٍ، مكتفياً برغيفٍ يابس.
•القِراءةُ فِطرةٌ، فالإنسانُ مَجْبولٌ على حُبِّ التَّعلم والمعرفة، والقِراءةُ هي أقصرُ الطرُق وأفضلها وأكثرها ضماناً لذلك.
اقرأ ... فإنَّ قارئَ اليومِ ... كاتبُ الغد.
اقرأ ... اقرأ لتعيش... اقرأ لترتقِ.. اقرأ لتسمو... اقرأ لتنتصر ... اقرأ لأنَّ في القِراءةِ لَّذةً ومُتعةً، عزةً وشموخاً، لو عَلِمَها أصحابُ الجاه والسُلطان، لما تركوها لنا.... اقرأ واحمد الله..."وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ". موسى أبو رياش قاص وناقد ومحرر أدبي