أمّاه
إنّ كتابة مؤلفات روائية دينية في الأيام والسنين الأخيرة وبالتناسب مع تغيير النظام الفكري وماهية الحياة، أدركت جيداً الحاجة إلى نمط وأسلوب جديد في الكتابة.
وعليه فإنّ الكاتب القديم المتمرّس والكاتب الشاب الّذي يستعمل هذا النمط من الكتابة من أجل الارتباط بالقارىء، قد أدرك جيداً أنّه لم يعد ممكناً لفت نظر المخاطب من خلال إعادة صياغة وترتيب الرواية فقط.
هذه المسألة تظهر أيضاً في القصص الأدبية الخاصة بالأطفال والشاب الحدث لدرجة أنّ المؤلفات الكلاسيكية والّتي تفتقد للجاذبية لهذه المرحلة العمرية، عجزت عن كسب القرّاء بالرّغم من احتوائها على أجمل الرسومات.
في مثل هذا الجو، نجح الكاتب الشاب ومن خلال تقوية الإبداع الأدبي والنجاح في كشف وتطوير زوايا رؤية جديدة من أجل خلق أثرٍ فني، وقد نجح أيضاً بإظهار وجهٍ جديدٍ لشخصية أو حادثة أدبية في قالبٍ قصصي واستطاع رواية شخصية وأخلاق تلك الشخصية بأسلوبٍ بديعٍ وجذابٍ ومرغوبٍ لتصبح جذّابة للقارىء حتى لو كان على معرفة سابقة بتلك الشخصية فلا تحول هذه المعرفة دون رغبته في القراءة.
إنّ رواية "أمّاه" من تأليف مريم راهي تُعتبر من ضمن هذه المؤلّفات، الأثر الّذي يوجد فيه كلماتٌ جديدة مناسبة لجميع أنواع القرّاء المتدينين.
تسعى هذه الرواية بشكلٍ أساسي إلى تبيين فصول من حياة السيدة خديجة الكبرى عليها السلام. لقد بدأت أحداث هذه الرواية زمنياً من الساعات الأخيرة قبل ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وذلك من خلال وصف حالة المنزل آنذاك، وتبيين ذهنية السيدة خديجةعليها السلام وأهالي المدينة الّذين يدخل بعض الممثّلين عنهم إلى منزل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأسباب مختلفة، فتروي قصة جذابة من الناحية الروائية أكثر من جاذبيتها من الناحية القصصية.
إنّ الكاتبة وبسبب نيّتها في الحصول على أكبر عددٍ من القرّاء، ومع وجود زاوية غالبة في الرؤية، تغيّر زاوية الرؤية الّتي تحكي الرواية بشكلٍ دوري. في الحقيقة هي تحكي عدّة روايات متوازية من خلال عدّة زوايا للرؤية والّتي تبدو مختلفة ظاهرياً لكنها تدور حول محور واحد، ومن ناحية أخرى هي تروي سكنات ووجنات السيدة خديجة الكبرى عليها السلام على أبواب ولادة السيدة الزهراءعليها السلام.
وفي هذا الدور جسّدت الكاتبة أجمل صورة ممكنة تفصيلية ومؤثرة حول العشق الّذي تكنّه سيدة الإسلام العظيمة للنبي الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتابة مشاهد مثل الرائحة العطرية الّتي تفوح من أجسام الأطفال الّذين يلمسهم النبي أو حوارات تدل على حوارات الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلم والسيدة خديجة عليها السلام من أجمل فصول هذه الرواية وأبقاها.
من ناحية أخرى فإنّ هذه الرّواية تصوّر مشهدية واقعية حول مكة والمدينة في عصر حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتشير بشكل غير مباشر إلى القيم الاجتماعية في زمن عرب الجاهلية وذلك بوضوح ومن دون الابتعاد عن الأسلوب المعتمد في الرواية.
في ما عدا هذا، نجاح الكاتبة المهم في رسم مشهد الكفار في عصر الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
إنّ الكاتبة ومن أجل هذا الهدف ومن خلال استثمار ذكي وفني للأدبيات والكلمات، بثّت روح عقائد الأعراب السائدة آنذاك أي في عصر المبعث في قالب حورات تدل على قدرة الأعراب في ذلك العصر من خلال استثمار الكلمات أيضاً. هذا الإبداع في جمل تقولها شخصيات مثل أم جميل ظهرت بأجمل شكل ممكن وضاعفت من جذابية المتن. من هذه النقطة والرؤية ربما يمكن اعتبار استراتيجية الكاتبة من أجل ترسيم وجه البطل في روايتها من خلال ما تتفوه به الشخصيات السلبية إحدى نقاط القوة في هذه الرواية.
اسم هذه الرواية مقتبس من العبارة الّتي تناديها بها جارية السيدة خديجة. وقد ذكر هذا العنوان بذكاء في أقسام من المتن ليعرف المخاطب معناها بعد انتهاءه من قراءة الكتاب ومعرفة سبب إطلاقها على مثل هذه السيدة.
من هذه الزوايا يجب اعتبار رواية "أمّاه" إحدى أكثر الروايات نجاحاً بين الآثار الدينية في يومنا هذا والّتي صوّرت وجه النبي الرحماني وزوجته بأسلوب ونظرة بديعة وجذابة.
دار الحضارة الإسلامية
لبنان - بيروت





تعليقات الزوار