كيف تختار وتقرأ القصّة المناسبة لطفلك؟
كان يا ما كان في قديم الزمان سالف العصر والأوان، حتى كان…كان في…
هكذا كانت تبدأ الحكايات التي تحكيها الجدات للأطفال حين يتجمعون حولها في المساء لتبدأ بسرد القصص والأحداث، تجمع بعضها من ذاكرتها وتؤلف الآخر من خيالها وخبرتها في الحياة عن الأبطال والعوالم الخيالية وربما السحرة أو الحيوانات والتي تحمل أساساَ بسيطاً من التاريخ وبقية من خيال وأفكار مؤلف الحكايا التي تنتقل بهذه الطريقة من جيل إلى جيل.. مغلفةً نهايتها بعبرة مفيدة.
فالحكاية والروايات، من أقدم الفنون الأدبية التي وُجدت في المجتمعات البشرية على اختلاف تكوينها وتطورها، وتطوّر هذا الفَنّ الأدبي حتى بات من أعظم الفنون الأدبية التي تُسجِّل التاريخ وتُسهم – في جزء كبير منها – في تكوين النفس البشرية والطباع الإنسانية.
وقد أثبتت الدراسات العلمية والنفسية أن القصة من أهم العوامل التي تساهم في بناء شخصية الطفل وتشكل ميوله ومعتقداته وأفكاره، فهي تُنمّي الخيال وتساعد بشكل كبير في حلّ المشاكل النفسية والسلوكية التي قد يعاني منها الطفل إن أحسن الأهل اختيار القصص المناسبة لهم، إضافة إلى أنها تطوّر عنده المحاكمة العقلية للأمور، وتساعد القصة في زرع القيم في وعي الطفل ومساعدته لاكتشاف نفسه وبناء أحلامه وطموحاته.
ولأن أدب الأطفال والمراهقين للأسف ليس من أولويات دور النشر لصعوبته أولاً وعدم وجود خبراء فيه من مرشدين ومؤلفين مختصين فإن الأهل المهتمين بتنمية القراءة عند طفلهم يصابون بحيرة كبيرة عندما يذهبون لشراء قصة ما للطفل ولا يعرفون ما المناسب لعمره وحالته أو صفاته النفسية.
وعملاً بالمقولة (قُرّاء اليوم، قوّاد الغد) فإن على الأهل أن يحسنوا اختيار ما سيقرؤه الطفل من قصص وكتب حتى العمر الذي يصبح فيه قادراً على اختيار ما يريد قراءته بنفسه دون غياب الإشراف التربوي، فليس كل ما يُنشَر يصلح للقراءة، وبسبب ازدياد المغريات حولهم من ألعاب الكترونية ومواقع انترنت وأفلام رسوم متحركة فإن مهمة إيجاد شيء يجذبهم ويثير اهتمامهم ويصرفهم عن التكنولوجيا سيكون أصعب.
دون أن نتحدث عن مسؤولية دور النشر والمجلات في إيجاد وخلق ما يمكن أن يعجبهم ويجذبهم إليه، وعلى الأهل مسؤولية اختيار الكتاب المناسب لأولادهم وتعويدهم على حضور الكتاب في المنزل كأمر أساسي لا يمكن الاستغناء عنه.
ويمكن تقسيم الأطفال حتى سن المراهقة لفئات نوضح من خلال كل فئة ما يناسبها من القصص:
أولاً: من سن الولادة حتى سن ثلاث سنوات
نعم، من سن الولادة أو ما قبل الولادة حين يكون الطفل جنيناً في بطن أمه، حيث تتكوّن حاسة السمع عند الطفل بين أول الحواس ويمكن للجنين، ومن الشهر الخامس، أن يبدأ بسماع أصوات عائلته ويمكن للأم أن تستغل هذا الأمر بترديدها عليه كلمات محبة منها ومن العائلة أو تدندن له بعض الأغاني الطفولية الهادئة.
فكل هذا يتم تخزينه في لا وعي الطفل ويؤثر على بناء شخصيته في المستقبل، وحتى تقول بعض الدراسات أن الجنين حين يبلغ الشهر السابع، فإن تعرضه لسماع معلومات منتظمة يجعل تفتحه الذهني أفضل في المستقبل.
ابتداءً من عمر السنة يمكن للأم أن تقصّ على طفلها حكاية قبل النوم مدتها لا تتجاوز الدقيقتين، تكون جملها قصيرة وذات إيقاع محدد، أو بعض أغاني المهد.
ثانياً: من عمر الثلاث سنوات حتى خمس سنوات
يبدأ الطفل في هذا العمر بإدراك الأشياء من حوله وفهم التفصيلات فيه، ومن الضروري أن تكون القصة ممتعة، لا تتجاوز خمس دقائق، مؤلفة من صفحات فيها رسوم ملونة وجذابة وسطر واحد أو جملة واحدة في كل صفحة.
يُستحسن أيضاً أن تدور القصص والحكايات عن أشياء يعرفها الطفل مثل عائلته والحيوانات الأليفة والاعتناء بالطبيعة ولا بأس من إعادة القصص التي قد تجذب الطفل وتثير انتباهه.
ثالثاً: من عمر الست سنوات حتى ثمان سنوات
يمكن لبعض الأطفال في هذا العمر أن يقرؤوا بأنفسهم إذا كانت القصة مؤلفة من كلمات بسيطة، ولكن من الضروري أن يستمرّ الأهل بقراءة القصص له بين فترة وأخرى لتأكيد دعمهم العاطفي له وتواصلهم معه.
تكون القصة في هذا العمر بأسلوب بسيط، وحبكة بسيطة، وكلمات واضحة وسهلة، وشخصيات قليلة وكل ما فيها مرتبط مباشرةً بالفكرة الرئيسة، يُحبّ الأطفال الخيال والمرح في هذا العمر ويبدي الطفل اهتماماً بالقصص الهزلية، وحين يستمع إلى ما يُضحكه يخف التوتر لديه ويشعر بالامتنان لمن يُضحكه.
من الضروري انتقاء قصة فيها صور له فهي تنمّي خياله أكثر ودون أن تحوي أفكار مبهمة يمكن أن تثير ارتباكه.
يحبّ الأولاد في هذا العمر سماع القصص المألوفة رغم مللنا منها مثل ليلى والذئب، والأرنب والسلحفاة لما فيها من خيال ومتعة وشخصيات بسيطة لا تشوش ذهنه، ومن الضروري أن تحمل القصص عبرة وقيمة يتعلّم منها سلوك إيجابي مثل آداب الزيارات والطريق والتعامل مع الأخوة والأقارب بأسلوب غير مباشر منفر لهم.
رابعاً: من سن التسع سنوات حتى الثلاث عشرة سنة
يرغب الأولاد في هذا العمر سماع القصص المثيرة والأحداث الشيقة والحركة والأكشن (مثل قصص المغامرين الخمسة) والمحاطة بقالب جذاب.
تركّز هذه القصص غالباً على اهتمامات الجنسين ومشاكلهم الشخصية، يمكن للأطفال في هذا السن قراءة سير العلماء والعظماء في التاريخ وما يميّز كل واحد منهم.
خامساً: من السن الثالث عشر حتى الخمس عشرة سنة
تكون القصة موضوعية تُروى من وجهة نظر البطل حيث يمرّ كل شيء عبر مشاعره الشخصية وحواسه ويجب أن تكون القصة مما يثير حماسه ومشاعره وتعاطفه ويصل في النهاية إلى نتيجة واضحة وهدف نفسي تضيف له وتساهم في تكوين أفكاره.
من أجمل ما يمكن قراءته ابتداءً من هذا السن سلاسل ما وراء الطبيعة وفانتازيا وسافاري للدكتور أحمد خالد توفيق ورجل المستحيل وملف المستقبل للدكتور نبيل فاروق وسلسلة هاري بوتر كمثال بين مجموعة كبيرة من الأعمال الأدبية الشهيرة.
سادساً وأخيراً: من السن السادس عشر حتى الثمان عشرة سنة
هنا لم يعد الطفل طفلاً، بل صار مراهقاً على أبواب الشباب ويُحبّ في هذه السنوات قراءة ما يقرؤه الكبار، يمكن له أن يقرأ بعض الروايات والكتب التي يقرؤها الكبار والتي تحمل قيمة معينة وتناسب شخصيته مثل بعض الروايات العالمية أو كتب الشعر إذا كان يميل للشعر.
نلاحظ هنا أن المراهق في هذه المرحلة يبدأ بالكتابة خصوصاً إذا كان قد اعتاد القراءة منذ طفولته فتبدأ كل تلك المهارات التي اكتسبها النفسية واللغوية تخرج على شكل نصوص أو قصص قصيرة تُعبّر غالباً عنه وعن أحلامه.
قد يحب البعض قراءة كتب التنمية البشرية البسيطة التي تدفعه وتساعد في تحفيزه وفهم نفسه أكثر وتُشكّل له حافزاً للعمل أكثر وبناء طموحات كبيرة ومعرفة كيفية تحديد أهدافه وتنظيم وقته والاستفادة من طاقاته.
من المهم جداً في هذا العمر مناقشة ما يقرأ مع الأهل لفهم ما وصل له وما الأفكار التي تشكلت لديه من هذه الرواية وكيفية تعاطفه مع الشخصيات وفهمه لها بحيث تساعد الأهل على فهم المراهق أكثر ومعرفة طريقة تفكيره تجاه الآخرين.
بشكل عام، بمجرّد دخول الطفل إلى هذه المرحلة من العمر مع التغييرات الكبيرة التي تطرأ عليه جسديّاً وفكرياً، ليس هناك قاعدة معيّنة متعلقة بالكتب التي سيقرأها إذا كان مُهتماً في هذا المجال، وانتقل هنا النقاش من “الكتب التي على الأهل اختيارها لطفلهم” إلى “الكتب التي على الشاب اختيارها بنفسه”.
تعليقات الزوار