معرفة الله
مقدمة الناشر
من أهم المسائل المطروحة اليوم، معرفة جذور أزمات الجيل الشاب. ربّما يكون انعدام الهدوء و[راحة البال] هي أكبر أزمة تعترض الناس سواء كانوا شيباً أو شبّاناً، فجميع الناس يحاولون الوصول إلي هذه الحالة بتمام وجودهم.
أهم عامل وراء عدم الهدوء هذا، هو روح الإنسان الباحثة الّتي وضعها الله تعالي في فطرة الإنسان ولذلك يسعي جميع الناس للبحث عن هذا الجمال.
وأهم عاملٍ لإيجاد راحة البال عند الإنسان هو معرفة الله والارتباط به. ولأجل حصول هذه المعرفة، وفي هذا العالم المليئ بالأفكار المتناقضة، يحتاج الإنسان إلي أطر فكرية منسجمة ليتمكن من سدّ حاجاته الفكرية علي أساسها والحصول علي إجاباتٍ لأسئلته الباطنية.
إنّ مطالعة مؤلّفات الشهيد المطهري، تفتح المجال أمام الإنسان لتأسيس مبني فكري واستدلالي ومنطقي يقنع العقل ويرضي القلب. وعلي أساس هذه المباني والأطر الفكرية، يستطيع الإنسان أن يحصل بسهولة علي إجابات لأسألته الّتي تشغل فكره. ومن الطبيعي أن لا يشغل السؤال حيزاً فكرياً بعد الحصول علي الجواب، ونحن نسمّي هذه الحالة بالإطار الفكري.
وقبل تحصيل الإطار الفكري، فإنّ الشهيد المطهري يمنح الفكر والعقل انسجاماً ووحدة فكرية. إنّ الوحدة الفكرية هي الأمر الّذي يمهّد الأرضية من أجل حل التناقضات الباطنية للإنسان ويزيلها.
المقصود من الوحدة الفكرية هو أنّ الشهيد المطهري وعلي أساس تفكيره ومطالعته للقرآن الكريم والفلسفة الإسلامية وصل إلي هذه النتيجة وهي أنّ الإسلام حقيقة واحدة. هذه الحقيقة الواحدة تحتوي علي أجزاء مترابطة، بحيث لا يمكن تفكيك أي جزء من هذه المجموعة عن بعضها. إذا فككتم جزءاً من هذه المجموعة، من الممكن أن تتعرّض الأجزاء الأخري لضربة توازي أهمية هذا الجزء المنفك.
يعتقد الشهيد أنّ الفكر الإسلامي يشكل نظاماً وإذا قمنا بتبديل أحد أجزاءه بشيء آخر، يصاب جميع هذا النظام بالخلل، يمكن مشاهدة هذه الخصيصة في جسم الإنسان والصناعات المختلفة بشكلٍ واضح.
هذا أهم رمز موجود في مؤلّفات الشهيد المطهري وهو ما يميز فكره عن سائر الأشخاص.
ومن أجل التعرّف علي أفكار هذا العالم الجليل، ووفق الاقتراح المقدّم من جناب الأستاذ السيد علي هاشم دامت توفيقاته يجري العمل علي ترجمة مجموعة مصابيح الحكمة (چلچراغ حكمت) والّتي تمّ إعدادها بواسطة علماء ومفكرين إسلاميين في نادي "انديشه جوان" (الفكر الشاب) وبإشراف الأستاذ خسروبناه لتُعرض للشباب في العالم الإسلامي.
ويمكن فهم ضرورة التعامل مع أفكار الشهيد مطهري بالنحو المذكور في مجموعة مصابيح الحكمة (چلچراغ حكمت) بشكلٍ جيدٍ من كلام الامام السيد علي الخامنئي (دام ظله):
"يجب أن يكون هناك عمل فكري علي أفكار الشهيد مطهري؛ يعني أن يجلس مجموعة من الباحثين والمهتمين بالعمل العلمي ويستخرجوا آراء وأفكار الشهيد مطهري في فصول مختلفة. علي سبيل المثال، استخراج رأي الشهيد من مؤلفاته في مواضيع مثل الوجود، والإنسان، والإرادة الحرة، والعدالة، والتاريخ، والقدر والمصير، والتصوف وكذلك حول الموضوعات الأخري المتنوعة التي لا تعد ولا تحصي والّتي نجدها مطروحة في مؤلفاته. وهذا هو طريق التوسع والتقدم والازدهار الفكري للمجتمع بناء علي مؤلّفات الشهيد مطهري، حيث نأمل أن يتم هذا العمل".
مشروع مصابيح الحكمة
إن الجيل الشابّ جيل باحث عن الحقيقة، يسعي وراء المعرفة وتعزيز معلوماته ومعتقداته الدينية، ليصل من خلال ذلك إلي رؤية شاملة حول المسائل الفكرية، والثّقافية والاجتماعية. ولهذا يبحث في المصادر المختلفة لكن تعطّشه للمعرفة أكثر يجرّه إلي البحث أكثر وبشكلٍ أعمق، ليتمكن من تنظيم هندسته الفكرية من خلال العقائد الأصيلة.
ومن بين المؤلفات وميراث الفكر الإسلامي الفاخر، يمكن لمؤلفات الأستاذ العلامة الشهيد مرتضي مطهري أن تُرشدنا إلي مسار آمن من خلال تقديمها إطارًا فكريا شاملًا، ومتوازنًا، وسالمًا، وعقلائيا وبنّاءً. فمن مميزات فكر العلامة الشهيد التي ساعدت في استمراريتها ووضوحها هي الأصالة، والإبداع، والإنصاف، والإتقان، والسلاسة، إنسيابية النصوص، والاستجابة لمتطلبات الزمن، وتقديم منظومة فكرية مترابطة، والنقد المنصف والدفاع الحاسم عن مواقفه الفكرية، مما يلزم الجيل الشاب والجامعة العلمية لمطالعة آراءه وأفكاره والتعرف عليها، وحفظ ميراثه المكتوب.
وتلبيةً لطلب الجيل الحديث ورغباته، وبهدف ربطهم بأفكار الأستاذ مطهري، قام نادي "انديشه جوان" (الفكر الشاب) بإعداد سلسلة "مصابيح الحكمة" في أربعين كتيب بالاستناد إلي كافة المؤلفات المطبوعة للأستاذ.
في هذه السلسلة الموضوعية، بذلنا وسعنا حتي:
1. يعالج كل كتاب موضوعًا مستقلًا؛
2. يكون الأساس هو الاختيار الأفضل، وأن يتم تلخيص وجهات نظر الأستاذ بشكلٍ موضوعي من كافة المؤلفات والمدونات المطبوعة؛
3. يقتصر تدخّل الكاتب علي تجميع المحتوي، و اقتباسه، وتلخيصه، وتلفيقه وتنظيمه، وذلك ضمن هيكلية محددة وبتقسيم جديد وجذاب؛
4. تكون مراعاة الأمانة وحفظ أصالة الأستاذ مطهري وأسلوب بيانه المحور في كتابة كل جزء؛
5. يوثّق المحتوي بالكامل ويرجي إلي مؤلفات الشهيد مطهري المكتوبة لكي يكون متقنًا ومستندًا، ويكتب في الهامش (م.آ) لمؤلفات الأستاذ المطبوعة، (يا) للمدونات أو الاسم الكتاب إن كان مطبوعًا بشكل مستقل؛
6. تُضاف شروحات الكاتب بشكلٍ منفصل عن النص في المقدمة أو عقب النص.
إن سلسلة "مصابيح الحكمة" هي مجرد جسر لدخول واحة أفكار الأستاذ الشهيد مطهري الخضراء. وبلا شك، فإن القارئ الشاب الباحث، لا يستغني بقراءة هذه السلسلة عن قراءة مؤلفات الأستاذ، بل يعتبرها وسيلة لترغيبه وأنسه أكثر بمؤلفات الأستاذ.
ونشكر المساعي الأولي في تخطيط عناوين هذه السلسلة وفصولها وأيضًا متابعات والإشراف المستمر لأعضاء اللجنة العلمية لسلسلة مصابيح الحكمة أي السادة "عبد الحسين خسرو بناه"، و"حميد رضا شاكرين"، و "محمد علي داعي نجاد" و "علي ذوعلم" و "محمد باقر بوراميني" (المحرر العلمي) وأيضًا جهود المدير التنفيذي للمشروع السيد "عباس رضواني نسب" وزميليه السيد "رضا مصطفوي" (رئيس التحرير) و"ميكائيل نوري".
الكتاب الموجود بين أيديكم كتاب "معرفة الله" الجزء الثالث من مجموعة "مصابيح الحكمة"، تمّ إعداده بمساعي المحقق الكريم السيد حسن إسماعيل بور نيازي وإشراف السيد خسرو بناه.
ومع خالص الشكر لجميع من ساهموا وساعدوا في إعداد هذه المجموعة، كما نُرحّب بآراء القرّاء الأعزّاء وانتقاداتهم، ونأمل أن تكون هذه السلسلة مفيدة في صدد زيادة معرفة وفكر الجيل الشاب وأنسه بآراء وأفكار الأستاذ العذبة.
نادي "انديشه جوان" (الفكر الشاب)
تعريف "معرفة الله" المجلد الثالث من سلسلة مصابيح الحكمة للشهيد مطهري(ره)
إن هذا الكتاب، هو جهود متواضعة في دراسة ما يطلق الحكماء المسلمون عليه اسم «الإلهيات بالمعني الأخص» ويتناول معرفة الله، وصفاته وأفعاله. وإن وجهة نظر الحكماء الإلهيين هي كما يقول الأستاذ الشهيد مطهري(ره) عن هذا العلم:
هو أكثر العلوم قيمة ويتحدّث عن أكثر معلومٍ قيمةً، لأن هذا العلم يهدف إلي تقديم معلومات عن أكمل موجود أي ذات الله المقدّسة، ومنبع كل كمال وأساس كل جمال. بل إن الوجود الحقيقي محصور فيه، وكل الأشياء مهما كانت فهي في رتبة أدني منه، فهم يستمدّون الوجود منه.
من جهة أخري فإن الإيمان بالله يقع علي رأس جميع العقائد الدينية، فكما ورد في كلمات أمير المؤمنين(ع):
"أول الدين معرفته".
فالإيمان بالله والاعتقاد به هو من أهمّ عقائد البشر وأوجبها في الحياة. فعلي الصعيد الفردي، هذا الاعتقاد يسكن الروح ويمنحها الطمأنينة، ويعزز الفضائل الأخلاقية. وعلي الصعيد الاجتماعي يضمن سيادة القانون، والعدالة وحقوق الأفراد بين بعضهم الآخر.
بلا شك إن حياة الإنسان المؤمن بالله تختلف اختلافًا أصوليا مع الملحد بوجوده. وكذلك نجد اختلافًا شاسعًا عند مقارنة حياة إنسانين مؤمنين بوجود إلهين مختلفين، ولهذا يعدُّ الإيمان بالله وصفاته مؤثرًا في كافة شؤون حياة الإنسان، سواء في دوافعه، ونياته، والأحكام التي يطلقها أو سلوكه. وخلاصة الأمر إن الإيمان بالله يضفي معنًي ومفهومًا مميزًا علي حياة الإنسان، ويبلوّر شخصيته وهويته بشكلٍ خاصّ.
إن مؤلفات الشهيد مطهري(ره) تناولت موضوع الإلهيات بنسبةٍ كبيرةٍ، مما يدلّ علي أهميتها في نظام الأستاذ الشهيد الفكري.
في هذا الكتيب الموجود بين أيديكم، تطرّقنا في البداية إلي إمكانية معرفة الله للبشر، ونقد وجهة نظر من ينكر إمكانية معرفته(عز). وبعد إثبات إمكانية معرفة الله بحثنا في أهمية علمّ الإلهيات وفوائده وسعينا بعدها لمعالجة مفهوم الله من مختلف الآراء والتصورات المختلفة التي يحملها الناس عن الله. وبينا بأن الله الذي يعرّف القرآن عنه مكانه في أعلي قمّة القدسية والسموّ.
بعد اتّضاح معني مفهوم الله، يصل الدور لإثبات وجوده. وفي البداية نُجيب علي السؤال التالي: هل يمكن إثبات وجود الله أساسًا وبعد بيان إمكانية ذلك، نتطرّق إلي طرق معرفة الله. وفي الفصل الأخير ذكرنا بعض المطالب في باب الصفات الإلهية.
من الجدير ذكره بأنا تحاشينا قدر الإمكان من خوض غمار المواضيع الفلسفية العميقة، لتسهيل استفادة المخاطب من هذا الكتيب ومضامينه.
تعليقات الزوار