شراء
هوية الكتاب
عنوان مع الشعب
تأليف روح الله رشيدي
ترجمة مريم صفي الدين
إخراج فنّي السيد رضا نوراني
طبعة الأولى
عدد الصفحات 176
قياس 21*14
سنة النشر 2025
ISBN 978-614-508-034-3

مع الشعب

لقد مرّ أربعون عامًا على انتصار الثورة الإسلامية. وبتنا الآن على أهبّة الاستعداد للمضيّ في الخطوة الثانية بعد أن اجتزنا هذه الأربعينية الصاخبة، بأقدام أكثر ثباتًا وأقوى أملًا وأشدّ عزمًا من الأربعينية الأولى. وفي هذه المرحلة، لدينا اهتمامات عديدة ومسائل كثيرة، يبرز من بينها موضوع “الثقافة” بشكلٍ لا يمكن غضّ الطرف عنه. لسنا هنا بصدد المجاملة، فقد كانت الثقافة أساس الثورة الإسلامية، وقد نجحت تلك الثورة العظيمة وأثمرت من خلال التغيير في الثقافة. وبعدها سعى جيش الشياطين جهدهم حتى يقضوا على هذه الثورة، لكن الثقافة الناشئة عن الثورة الإسلامية جعلت فكرنا وعملنا عصيًا على الهزيمة. أتذكرون عقد الستين ومشقّاته [الثمانينات ميلادي]؟ كيف كانت السماء تُمطر ضغوطاتٍ والأرض تُنبت صعوبات للشعب الإيراني، خاض البلد بأكمله ثماني سنوات من الحرب غير المتكافئة، فهذا الحجم من الصعوبات والضيق بمقدوره خلال شهرين فقط أن يقضي على أمة بأكملها، فما الذي جرى حتى صمدنا؟ لماذا لم نستسلم؟
الإجابة واضحة، فعندما تصدّى جيش من أبناء الأمة الخلّص للعدو في ساحات القتال، وجعلوا من صدورهم درعًا لحفظ عزّتنا الإسلامية، تصدّى جيش عظيم آخر من الشعب نفسه، لتنظيم أنويتنا الثقافية في الجبهات الخلفية وكانوا يقاومون. لنتذكّر المساجد، والمدارس، والجامعات في تلك المرحلة. فتلك الهمم، وذلك الحماس والغليان والاهتمام هي التي حافظت على المجتمع من التّصدع. أينما ذهبت كنت تجد إشاراتٍ إلى العمل الثقافي التي كان الناس المدير والمخطط والمنفّذ فيها. الفرق الإنشادية والمسرحية في المساجد والمدارس، معارض الصور، والرسم، والكاريكاتور، تشييع الشهداء العظيم، مجموعات إسناد الحرب الشعبية و… كلها شكّلت سلسلة المقاومة الثقافية. ولم تكتفِ بمقاومة شعوذات العدو في الحرب الفكرية والثقافية بل وهاجمته أيضًا!
خلاصة الأمر، بأننا استطعنا بتلك الخطط البسيطة وزهيدة الثمن، أن نخرج مرفوعي الرأس من معركة بتلك الصعوبة. وأما ما حصل بعد الحرب، وما فعلناه بثروتنا الثقافية الثورية، وإلى أين كان مآلنا، فالحديث يطول في هذا الصدد!
تعالوا الآن لننظر إلى زماننا الحالي. ما الذي نراه؟ ضغوطات العدوّ، وخساسته، وهجماته، وتهديمه وسلطته. فهل يشكّ أحد في هذا الأمر؟ فإذا أجاب أحدهم بالإيجاب، ليذهب ويغسل عينيه وينظر إلى ساحة العالم ثانية. وفي خضمّ هذه الأحداث، لا نزال نقف على أقدامنا، لكن وللإنصاف بصعوبة بالغة. لم تلحق الهزيمة بنا، لكننا دفعنا ثمن ذلك غاليًا. والسبب أننا لا نزال نجهل قيمة ثروتنا الغالية. ولم يتسنّى لنا حتى الآن دراسة تجارب الثورة الإسلامية الموفقة لنستفيد منها، أو لم نُولِ الأمر أهمية. هل يعني ذلك أن نعود إلى العقد الستين [الثمانينات] لنُعيد تكرار تلك التجارب بحذافيرها؟ كلا، بل عندما يدور الكلام عن التجارب العظيمة والناجحة لشعب ما، يكون الكلام عن الأساليب، والمناهج والنماذج، عن قواعد العمل الثقافي وأصوله. لماذا تحوز دراسة تلك الأصول والقواعد على أهمية بالغة؟ لأن أبرز علامة للإدارة الثقافية لمجتمعنا هي أننا جميعًا ندور حول أنفسنا مبهوتين نتساءل عما علينا فعله ونُشاهد جولات العدوّ وصولاته في المجال الثقافي وحسب. مدّعين أننا لا ندري ما علينا فعله! ويا ليتنا كنا نكتفي بالادّعاء بالجهل بما علينا فعله! فنحن أحيانًا نتخطّى حدودنا وندعي أن “الثورة الإسلامية لم تُقدّم أي خطة للعمل الثقافي”! وبهذا الادّعاء نُسلّم جيلًا موهوبًا ومؤثرًا للآخرين، ونتفرّغ بدورنا لقراءة المراثي والعزاء على هذا الجيل المهدور.
وبهذه الأفكار، تركنا المساجد والمراكز الثقافية بحالها، ولم نستفد بأي شكلٍ منها. لقد كانت بعض مقرات التعبئة في أيامها قلب الأحياء النابضة، وكانت كالعين التي تروي عطش الشباب والأحداث، وتُقدّم للمجتمع جيلًا طاهرًا نافعًا، لكنها فقدت الآن مكانتها تلك وفقدت رونقها. ألا يمكن التغلب على هذه الأوضاع والعودة إلى أيام ذروة العمل الثقافي؟
يمكننا ذلك بالتأكيد، بل إنّه الحلّ الوحيد المتبقّي لنا، وإلا خسرنا كلّ شيء. وإذا أضفنا عزم العدو وإرادته المضاعفة على مقتضيات المرحلة الجديدة، لأدركنا بأننا في مرحلةٍ الأوضاع فيها أشدّ خطورة من العقد الستين بمراتب. كما يزيد انتشار استعمال وسائل الإعلام المرئية والإلكترونية من سرعة التغيير الثقافي بشدّة. وفي مثل هذه الأوضاع لا يمكن الجلوس مكتوفي الأيدي والاكتفاء بدور المشاهد، بل علينا النهوض والحركة، وعلينا التّخلي عن مستمسكات تصب في “لا أعلم ما عليّ فعله” وتصوّرات مماثلة لـ “الثورة لا تملك خطة وقاعدة للعمل الثقافي”.
في هذا الكتاب، سعينا استنادًا إلى تجارب تاريخ الثورة الإسلامية القيّمة، مراجعة بعض أصول العمل الثقافي وقواعده في إطار “عشرة أسس”. وبالتأكيد هناك كلام أفضل وأكثر من هذا في هذا المجال، خاصة للمتصدّين للعمل الثقافي خلال هذه الأعوام الأربعين والعاملين فيه بحيث بمقدورهم إكمال هذه الأفكار بشكلٍ أفضل. هذه الأسس العشرة وإن كانت منفصلة عن بعضها الآخر، إلا أنها مترابطة ومنسجمة. وفي الحقيقة نحن نتعامل مع نظام نظري وعملي متكامل. فكل أصل يرتبط بالآخر بشكلٍ من الأشكال، وبالتالي لن تنفع النظرة المجزّأة لهذه الأسس.
ولا بدّ لنا من أن نوضّح بأن الأمثلة المذكورة في النصوص جميعها مستقاة من ذكريات الأشخاص وتجاربهم العينية.
نأمل أن تنفع هذه المجموعة في ترميم الحركة الثقافية لعناصر الثورة الإسلامية. وفي هذا الصدد، تُعدّ آراء المخاطبين الأعزاء الإصلاحية والتكميلية هامّة ومفيدة، فلا تحرمونا منها.

تعليقات الزوار

سلة المشتريات